قصّة «هدر اموال بلدية طرابلس» ظهرت عندما قرر عضو البلدية خالد صبح، تأهيل وترميم مسجد الجهاد الواقع في منطقة باب التبانة تقدمة منه عن روح والده المتوفى. بعد البدء بالأعمال اتصل رئيس البلدية نادر الغزال بصبح في 16 حزيران «واضعاً كل إمكانات البلدية اللوجستية في تصرفه لتأهيل المسجد وترميمه»، وفق ما يؤكده صبح. رفض صبح مبادرة الغزال، موضحاً له أن العمل خاص، إلاّ أنه طلب منه فقط تأهيل الرصيف الملاصق للمسجد، وهذا ما قامت به البلدية.
آنذاك انتشرت شائعات تزعم بأن صبح «يستغل نفوذه في البلدية ويرمم المسجد على حسابها، ثم ينسب الأمر لنفسه». لم ينتهِ الأمر هنا، إذ أقدم مجهولون في مطلع شهر آب الفائت، على تقديم إخبار إلى النيابة العامة المالية، وصلت نسخ منه إلى محافظ الشمال وآخرين، ادعوا فيه وجود هدر مالي في بلدية طرابلس، وأن لوازم بناء من رمل وبحص وباطون سُحبت من مستودعات البلدية، لتحقيق مصالح ومشاريع خاصة. لذلك أصدر الغزال في 26 /8 / 2014 قراراً حمل الرقم 1005 /2014، طلب فيه «إحالة مسؤولة مصلحة الهندسة في البلدية عزة فتفت أمام الهيئة العليا للتأديب، ووضعها بتصرف رئيس البلدية إلى حين بت أمرها». أحدث القرار ضجّة كبيرة داخل البلدية، وأعاد الانقسام والفرز فيها إلى سابق عهده. تقدّم 19 عضواً بعريضة لعقد جلسة عاجلة لمناقشة الأمر، بحضور محافظ الشمال، لكن غزال لم يستجب لرغبة أكثر من ثلثي أعضاء المجلس، بالرغم من أن قانون البلديات يفرض عليه الاستجابة لعقد جلسة طارئة للبلدية إذا طلب أكثر من نصف الأعضاء عقدها.
قدم مجهولون إخباراً إلى النيابة العامة المالية

في هذا الوقت كانت فتفت تتقدم بمراجعة قضائية أمام مجلس شورى الدولة، مشيرة إلى أن قرار الغزال «غير قانوني ويجب وقف تنفيذه». تبلّغ الغزال نسخة من مراجعة فتفت تلاه إصدار محافظ الشمال رمزي نهرا قراراً إدارياً، يطلب فيه من رئيس البلدية التراجع عن قراره «لمخالفته القانون وتجاوزه حد السلطة»، لكنه لم يستجب لطلبه. فما كان من النائب العام المالي إلا أن أصدر في 16 أيلول قراراً قضى بـ»حفظ ملف الهدر في المال العام في البلدية»، رداً على طلب الغزال إحالة فتفت أمام الهيئة العليا للتأديب، ما يثير التساؤلات عن الأسباب التي دفعت بالنائب العام المالي إلى حفظ الملف عوضا عن التحقيق في مجريات ما حدث لكونها قضية تمس المال العام. يستغرب صبح كيف أن نادر الغزال الذي عرض عليه المساعدة في هذا الأمر، وكان حاضراً حفل افتتاح المسجد الذي كلفه ترميمه 31 ألف دولار، أقدم على إحالة فتفت أمام الهيئة العليا للتأديب بتهمة فساد متعلقة بترميم المسجد المذكور. وأعلن أن قراره «كيدي وشخصي، وهو أفرغ جعبته من رمي تهم تقصيره على الآخرين، بعد 4 سنوات من تسلمه مهمات البلدية، ليحوّل الأنظار عن عدم القيام بعمله كما يجب، وعن سياسة التلهي والكيدية التي يشتهر بها». لم يسلم الغزال من انتقادات مسؤولي تيار المستقبل، لكون فتفت تربطها قرابة عائلية مع النائب أحمد فتفت، مشيرين إلى أنه وجه سهامه في اتجاه خاطىء بدل تصويبها تجاه خالد صبح، المقرب من رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، الذي يتصرف كأنه الرئيس الفعلي للبلدية. حاول الغزال تبرير ما قام به باتهام فتفت بأنها «مقربة من معارضيه داخل البلدية»، ووصل به الأمر إلى حد التهديد إما بإقالتها أو باستقالته.