بعث إمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود برسالة إلى الشيخ العرسالي مصطفى الحجيري (أبو طاقية)، قال فيها:تأخرنا في إرسال هذه الرسالة لأننا لم نكن متأكدين من أنك الشخص نفسه الذي كان عندنا في صيدا لمدة طويلة إماما لمسجد الهداية وقتها (مسجد الصحابة اليوم). يا شيخ مصطفى لقد قلت لي بالحرف في يوم من الأيام إنك كنت في بيشاور ورأيت بأم العين وبالتجربة المعيشة أن علماء الدين وأصحاب المدارس الدينية كانوا هنالك بأعداد كبيرة: يكون أحدهم أستاذاً يخرج الأجيال وفجأة يكتشف الطلاب أو آخرون أنه كافر فيذبح وتسبى نساؤه وتنهب مدرسته أو تحتل.

كنت تقول ذلك باستنكار شديد. فكيف تشارك في لبنان، النصرة وداعش أعمالهما وهما من الطينة نفسها التي كانت تذبح الأساتذة وعلماء الدين هنالك في بيشاور؟ نعم نعلم أن أداءك تحسّن وأنت اليوم أشبه بالوسيط، ولكن في يوم قريب كنت جزءاً من هؤلاء الذين لا يردعهم دينهم أن يقتلوا أساتذتهم ومشايخهم وضباط الجيش وجنوده بحجج واهية لا قيمة لها.
هذا كلامك حجة عليك وعلى كل من في هذا الطريق ولا يزال هنالك مجال للتوبة وللتراجع... ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الحالة الرئيسية اليوم في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية هي الحالة التكفيرية الجاهلية المتخلفة. فالمشهد الأكثر استقطابا للشباب «المتدين» هو مشهد ما سمي زوراً، الدولة الاسلامية وما يرافقها من مظاهر التخلف والحقد الأعمى الجاهلي والجهل المتمادي بأبسط مبادئ الدين. ثم هل من صراع حقيقي بين من يدفع الأمة إلى الأمام، ومن يشدها إلى الخلف؟ أم أن هنالك حالة استسلام أو تعايش بين هاتين الظاهرتين؟
نقول ونحن ننتمي من دون شك إلى من يحاول أن يدفع الأمة إلى الأمام، إن الأمر ليس سهلاً على الإطلاق، ولولا الإيمان بالغيب وبقدرة الله عز وجل على التغيير بكلمة (كن)... ولولا إيماننا بأن هذه الأمة هي امة الخير، ولولا إيماننا بأن هذا الدين هو دين الله، هو يجدده، وهو ينصره، وهو يمن عليه برجاله ... لولا كل هذا لألقينا السلاح ولقلنا إننا عاجزون أمام موجات التخلف المتلاحقة، وأمام العصبية الجاهلية المتنامية والمتصاعدة في أنحاء عدة من العالم الإسلامي.
في صيدا، مرت ذكرى استشهاد سليم حجازي وبلال عزام الـ 32، دون أي احتفال أو تذكير. برغم أن هذا الاستشهاد كان علامة فارقة، إذ أثبت أن شبابنا مستعدون لبذل النفس رخيصة دون انتظار أمر من احد ولا انتظار جزاء من أحد، لكن وللأسف الشديد، لعل جزءاً مهماً من إخوة الشهيدين سليم وبلال والشهيد جمال حبال وثلتهم، من بعض أترابهم وإخوانهم، أصبحوا اليوم في مكان آخر، في غير الاتجاه الصحيح، وينظر أحدهم إلى ثوبه الملطخ بعار الجاهلية الحديثة وهو يبدي إعجابه بهذه الأوساخ وبهذه القاذورات التي يراها زينة وجمالاً.