تشهد تل ابيب، يوم الاثنين المقبل، حفل تسليم وتسلم، بين قائد المنطقة الشمالية في الجيش الاسرائيلي، اللواء يائير غولان، وخليفته المعين حديثا، اللواء افيف كوخافي. وإذا كان رحيل الاول ومجيء الثاني مسألة روتينية في الظاهر، الا انها تحمل اكثر من دلالة في سياقاتها، وتحديدا ما تقدر تل ابيب انها تواجهه من تحديات وتهديدات تتصل بالجبهة الشمالية خصوصا، والامن القومي الاسرائيلي، عموما.
قبل ثلاث سنوات، عين اللواء يائير غولان، قائدا للمنطقة الشمالية، المنصب الذي يعد من اهم المناصب حساسية في المؤسسة العسكرية، اذ تلقى على عاتقه «حراسة» أرض فلسطين المحتلة شمالا في زمن اللاقتال مع حزب الله، وفي الوقت نفسه، اعداد القوات لخوض الحرب و»الانتصار» فيها، في حال اندلاعها.
بعد ثلاث سنوات على توليه المسؤولية، يخرج غولان من منصبه، ليسلم قيادة المنطقة للواء افيف كوخافي، الآتي من منصب حساس جدا في الجيش الاسرائيلي، وهو رئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية (التي تولى رئاستها أمس، قائد وحدة المظليين السابق، هيرتسي هليفي). غولان قد يكون راضيا وقلقا في الوقت نفسه عما قام به طوال السنوات الثلاث الماضية. فهو راض عن ان الحرب لم تندلع مع حزب الله، وبالتالي كل ما قام به من جاهزية واستعداد، وكل ما ادلى به من تصريحات عن «الانتصار في الحرب المقبلة»، لم يوضع موضع التنفيذ والاختبار. اما القلق، فيتعلق بتعاظم حزب الله وقدراته التي باتت غير مسبوقة، وتحديدا عجزه والجيش الاسرائيلي عن منع هذا التعاظم وصده، رغم كل الجهود التي بذلت في سبيل ذلك.
خليفة غولان، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية حتى الامس، افيف كوخافي، لم يأت من مكان بعيد غير ذي صلة بحزب الله. منصبه السابق لصيق بمتابعة لبنان والحزب وقدراته ونياته ومجمل الحرب المقبلة.. كان شريكا لغولان طوال فترة اللاقتال في السنوات الماضية، وعمل معه على «حد السيف» في مواجهة حزب الله، سواء في الساحة اللبنانية او في الساحات الاخرى، القريبة والبعيدة.
قدم غولان الى المنصب قبل ثلاث سنوات، بعدما تولى مسؤولية اعداد الجبهة الداخلية لمواجهة صواريخ حزب الله، في اعقاب حرب عام 2006. وقبل دخوله المنطقة الشمالية، وجها لوجه في مواجهة حزب الله، كان يدرك جيدا ما هو العدو وما قدراته وكيف تغيرت وتعاظمت. كذلك كان يدرك جيدا وضع اسرائيل الدفاعي في مواجهة صواريخ حزب الله وحقيقة وضع المستوطنين وإمكاناتهم الدفاعية. يسلم المنصب لكوخافي، يوم الاثنين المقبل، في ظل حديث الجيش والجمهور والاعلام في اسرائيل، عن تغييرات جذرية في استراتيجيا حزب الله للحرب المقبلة، وفي مقدمتها احتلال الجليل. اما كوخافي نفسه، فيأتي الى المنصب وهو يعلم اكثر من غيره، كرئيس للاستخبارات، ما لدى حزب الله من قدرات ووسائل قتالية «أكثر حجما واكثر دقة واكثر تدميرا».
ما بين ظروف القائد الاسرائيلي المغادر والقائد الجديد المقبل، فروق ترتبط بوضع حزب الله والآمال من حوله. لدى تولي غولان المنصب، قبل ثلاث سنوات، كانت اسرائيل مشغولة ومشبعة بالامل بشأن الحرب في سوريا واقتراب موعد سقوط الرئيس بشار الاسد، وتبعا لذلك «اختناق» حزب الله في لبنان وكسر «محور الشر»، الممتد من طهران الى بيروت. ولعل اول حديث صدر عن غولان بعد تعيينه في حينه، تضمن تأكيدا من جانبه على قرب سقوط الاسد، محددا فترة زمنية وجيزة تفصل الاسرائيليين عن هذه البشرى وعن الفائدة الاستراتيجية جراء سقوطه.
اما ظروف كوخافي، فمغايرة تماما. يتسلم قيادة الجبهة الشمالية بعدما خرج الامل بسقوط الرئيس السوري عن المشهد الاقليمي، وبعدما ثبت الاسد قدميه في الارض السورية في وجه اعدائه. لم يعد حزب الله في موقع دفاعي يحاول منع «اختناقه»، بل حتى الاصوات التي كانت تنتقده في الداخل اللبناني، التي راهنت اسرائيل عليها طويلا، تراجع تأثيرها إلى حد كبير بعدما اكد الواقع صحة الضربة الوقائية التي قام بها في الساحة السورية. وكيفما اتفق، من ناحية اسرائيل فان الواقع مختلف تماما في مواجهة حزب الله، ولعل هذا هو السبب الاساسي في دفعها لاختيار رئيس الاستخبارات، قائدا للمنطقة الشمالية.
في الوقت نفسه، دلالة تعيين كوخافي، كرئيس سابق للاستخبارات العسكرية، تشير الى ان الحرب مع حزب الله هي حرب كانت وما زالت قائمة على الاستخبارات، وهي سمة المواجهة بين الجانبين، سواء في زمن الحرب او في زمن اللاقتال. هذا ما تنتظره هذه الجبهة، في لبنان وفي سوريا، الساحتين اللتين اعلن كوخافي، في وقت سابق، انهما جبهة واحدة في ساحتين.