عُزي اقتراح المرحلة الانتقالية وانتخاب رئيس لسنة او اثنتين الى النائب وليد جنبلاط، وقيل ان الوزير السابق ميشال اده من بين ابرز مَن صار الى تداول اسمائهم لدى اصحاب الاقتراح واولئك الذين عملوا على خطه. بيد ان اده، من شرفته، يتفرج على المشهد المضطرب في الداخل ويكتفي بهذا الدور. قيلت هذه العبارة في الرئيس فؤاد شهاب مرتين: اولى عندما كان لا يزال قائدا للجيش مطلع الخمسينات، حينما كشف عن تعرّفه الى الطبقة السياسية من خلال شرفة القيادة يراقب عبرها العمل السياسي ولاعبيه. ثم قيلت فيه العبارة مجددا بعد عزوفه عن الترشح لانتخابات الرئاسة عام 1970، قائلا انه لا يزال على الشرفة نفسها يراقب من فوق ما يجري تحت.
خمس مرات كاد اده يصبح رئيسا، ثم ـــ كما يقول وقالها له من قبل الرئيس الياس سركيس عام 1982 ـــ مرت الرئاسة «من تحت المنخار» بين أعوام 1982 و2007.

في كل من المرات تلك، كانت لعبة السياسة تفوّت عليه الحظ: رفض سوري ثلاث مرات، ورفض اسرائيلي مرتين. اليوم، يكتفي إده بالتفرج على ما يجري تحت، ولا يريد ان يكون مرشحا للمرة السادسة.
يقول: المشهد فعلا محزن. لكنني لست متشائما. على مرّ تاريخنا كانت مشكلاتنا تتأتى من الدول العربية، كمصر وسوريا والعراق والسعودية. الجميع الآن في حال مزرية وارباك، ويتخبطون في ازمات داخلية لا يعرفون كيف يتخلصون منها. التطور الجديد في المنطقة هو تنظيم داعش الذي اطل كوحش خطير. ولانه اصبح كذلك، نشأ تحالف دولي عليه بعدما تبين وجود اكثر من 4 الآف اجنبي في صفوف هذا التنظيم، الذين تمثل عودتهم الى الغرب تهديدا حقيقيا له. في ظني ان داعش هو الذي انتحر ويتسبب بانهاء نفسه، عندما ارتكب الفظاعات والوحشية من دون ان يكتفي بالقتل. مجرد الذبح أثار العالم كله ضده، مستهجنا ومقرراً ازالة وجوده عبر التحالف الدولي الاخير. طبعا داعش ليس مشكلتنا. لكن ينبغي ان لا ننسى ان قسما من السنّة اللبنانيين في طرابلس وعكار والبقاع الغربي وعرسال يتعاطفون مع هذا التنظيم، بينما الامر ليس كذلك في بيروت. لست خائفا على لبنان بعد اعلان التحالف الدولي على داعش، لكن مشكلتنا الفعلية هي في شغور رئاسة الجمهورية. كانوا يقولون ان لا دور لرئيس الجمهورية لأن لا صلاحيات له. الشغور أظهر العكس، وهو ان البلاد كلها، والمؤسسات الدستورية كلها، شلت بعدما تعذر انتخاب رئيس الجمهورية. لا الحكومة تعمل كما ينبغي، ولا المجلس ينعقد. وهذا يدل على الموقع الرئيسي والحيوي للرئاسة. من دونها لا حياة لاي مؤسسة. الجميع يريدون الرئيس. ولا يريدونه الا مارونيا. ولا يمكن الا ان يكون كذلك. هذا ما يقول به الشيعة والسنّة والدروز. قبل ستة اشهر قال لي وليد جنبلاط انه أخطأ بابتعاده عن الموارنة. قال: انتم ونحن لبنان. اجبته: لا انتم ونحن لبنان، لأن الدروز هم الأساس في لبنان، وهم قبل الموارنة فيه. عندما يصبح كل وزير في الحكومة الحالية، من خلال توقيعه الملزم، أشبه برئيس للجمهورية، ألا يفصح ذلك عن أهمية وجود رئيس الدولة؟».
لا يوافق إده على الحجة القائلة بأن الشغور الرئاسي مشكلة تسبب بها المسيحيون. لا يؤيد ايضا القائلين بأن اتفاق المسيحيين كاف لانتخاب الرئيس. يلاحظ ان أيا من استحقاقات الرئاسة التي خبرها لبنان لم يتفق المسيحيون في ما بينهم على رئيس للجمهورية.
يضيف: «المشكلة تدور اليوم حول العماد ميشال عون الذي يخوض آخر معركة رئاسية لانتخابه، وهذا لا يقلل من قدراته وكفاياته واستحقاق انتخابه رئيسا، لكنه لن ينتظر معركة رئاسية اخرى بعد ست سنوات، ولن يكرر موافقته على ما حصل قبل ست سنوات. بسبب اصراره على انتخابه، جُمّدت الانتخابات نهائيا. اما الى متى يستمر الشغور، فهنا تكمن المشكلة. ربما كان من المفضل لو مُددت ولاية الرئيس ميشال سليمان الى ان نتمكن من امرار القطوع الاقليمي الحالي. نحن في حال استثنائية لا نعرف كيف ستنقضي».
كيف الخروج من المأزق؟
يقول: «الامر متوقف على العماد عون الذي يعتقد بأن حظه في الرئاسة لا يزال متاحا، وهو يستمر في التحاور مع القوى المعنية بالاستحقاق. في نهاية المطاف سيكون هناك موقف نهائي مع استمرار تراجع الوضع الاقتصادي، وتأثير الشغور على كل المناحي الوطنية. اعتقد ان الامر لن يحتمل، وقد لا يطول الى اكثر من ثلاثة اشهر حتى يكون هناك رئيس للجمهورية. قبل نهاية السنة ربما».
بأي مواصفات؟
يقول: «اعتقد ان لجان عبيد افضل الحظوظ حتى الآن. هادىء ومتزن، منفتح ومحاور، عارف بدقة الوضع الداخلي واسلوب التعامل معه بحكمة، وله علاقات محلية وخارجية متشعبة».
لكن إده يبرّر للكتل النيابية التي تقاطع جلسات انتخاب الرئيس موقفها بالقول ان من حقها ان تقاطع ولا تتوجه الى مجلس النواب. هذا جزء من حرياتنا. ليس الامر ديكتاتورية وارغام النواب على الذهاب الى المجلس. للنائب حرية في ما يقرره بإزاء هذا الاستحقاق سلبا او ايجابا. الآن في ظل الموقف الحالي للعماد عون، لا مجال للبحث في مرشح ثالث يتفق الاطراف عليه. ربما يصح ذلك في وقت لاحق. فرنسا عرفت هذه التجربة في الخمسينات عندما تعذر انتخاب رئيس، فجيء برينه كوتي ـــ ولم يكن مرشحا ـــ كي يكون حلا وسطا بين الافرقاء المتنازعين. رينه كوتي هو الذي اتى بديغول من بعده رئيسا».
ماذا يقول في اقتراح انتخاب رئيس لمرحلة انتقالية: «انا ضد مسّ الولاية الدستورية لرئيس الجمهورية والتلاعب بالسنوات الست. اهمية رئيس الجمهورية في نظامنا انه يؤمن الاستقرار. في الماضي كانت الصلاحيات بين يديه ولم يكن يمارسها على النحو الملائم، وربما لم يكن من المناسب ان تكون كذلك. الرؤساء جميعا، قبل اتفاق الطائف، تصرفوا بديكتاتورية وغالوا في استخدام الصلاحيات. اليوم قد يكون المطلوب ازالة بعض الثغر التي تشوب صلاحيات الرئيس، كإعطائه صلاحية حل مجلس النواب او عدم تقييده بمهلة لتوقيع المراسيم والقرارات او سواها. لا يحتاج الرئيس سوى الى صلاحيتين أو ثلاث صلاحيات فقط لتعزيز دوره وتفادي هذه الثغر، لكن بالتأكيد اظهر لنا الشغور حاجة الافرقاء جميعا الى وجود رئيس للجمهورية وان بالصلاحيات التي له اليوم والتي يقول البعض إنها غير كافية. انا مع ترك مجلس النواب يسمي الرئيس المكلف تأليف الحكومة لتفادي مشكلات واجهناها في الماضي، عندما كان رئيس الجمهورية يختار رئيسا للحكومة خلافا لارادة طائفته. لا بد من الاخذ في الاعتبار وجهة نظر الفريق الآخر وموقفه. انا ميال الى تأييد الصلاحيات الحالية، لانني اعتبر الرئيس يستمد قوته من دوره ومن توقيعه. من دونه كل أمر يُشّل في الجمهورية».
يتوقف إده عند تقييمه «النظام الطائفي في لبنان»، ويعدّه «افضل نظام لمجتمع غير متجانس كالمجتمع اللبناني. في المجتمع المتجانس هناك غالبية واقلية. الغالبية تحكم والاقلية تعارض، ثم تنقلب الادوار في الانتخابات العامة. في لبنان تُحرم الاقلية دورها اذا تصرّف المجتمع ـ وهو غير متجانس ـ على ان السلطة تديرها اكثرية».