لم يكن مفتي الجمهورية السابق الشيخ محمد رشيد قباني حاضراً في قاعة الرئيس رفيق الحريري في مسجد محمد الأمين، مساء أمس، خلال حفل تنصيب الشيخ عبد اللطيف دريان خلفاً له، ليتلقى تحيات رئيس الحكومة تمام سلام ورؤساء الطوائف، ولكي يلاحظ إغفال ذكره في خطاب دريان وممثل العاهل السعودي سليمان بن عبد الله بن أبي الخير. في الاحتفال الحاشد الذي نظمته رئاسة الحكومة، تقدم الحضور الرؤساء السابقون: ميشال سليمان، أمين الجميل، فؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي والنائب هاني قبيسي ممثلاًً الرئيس نبيه بري والوزير حسين الحاج حسن ممثلاًً الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله.
وبرزت مشاركة عدد من آل الحريري؛ تقدمتهم النائبة بهية الحريري وشقيقها شفيق ونجلها نادر، مدير مكتب الرئيس سعد الحريري. في كلمته، رأى سلام أن مناسبة التنصيب "يوم مبارك نلتقي فيه على الخير لنتوّج الإنجاز الذي تحقق في دار الفتوى في العاشر من الشهر الماضي، بإقدام مجلس الانتخاب الإسلامي على اختيار دريان مفتياً خلفاً لقباني، الذي نوجّه له التحية والتقدير على عمله في رعاية شؤون المسلمين الدينية". وشكر سلام "أصحاب المساعي الخيرة الذين ساهموا في إنجاح العملية الانتخابية في الدار بالطريقة الديموقراطية السلسة، وبخاصة أشقاءنا في مصر والسعودية، الذين كانوا لنا خير ناصح وسند ومعين". ورأى أن عملية التنصيب "تدشن عهداً جديداً في مؤسسة دار الفتوى التي تنتظرها تحديات كبيرة على المستوى التنظيمي الداخلي وعلى مستوى رعاية شؤون المسلمين. وأن المجتمع الإسلامي يتطلع بثقة تامة إلى الدار، آملاًً تعزيز مؤسساتها لتحسين قدراتها في رعاية الشأن الوقفي والخيري والديني والاجتماعي وفي مهمة الإرشاد العام الملقاة على عاتقها، لمواجهة التطرف والغلو ونشر قيم التسامح والوسطية والاعتدال".
قباني يحضر
إلى الدار اليوم مهنئاً ولن يسلم خلفه الملفات التي كان قد أعدّها له

وفي هذا الإطار، قال سلام إن الأنظار "تتجه إلى الدار ومساهمتها الوازنة على المستوى الوطني استكمالاً للدور التاريخي الذي طالما تولته، سواء في شد اللحمة داخل الطائفة السنية، أو في العمل الدؤوب على التقريب بين المذاهب الإسلامية، أو في مواقفها المتقدمة من الحوار الإسلامي ــ المسيحي، وحرصها الدائم على الوحدة الوطنية وسعيها إلى إبقاء أبواب التواصل والحوار مفتوحة مع الجميع".
بعد كلمات نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان وشيخ عقل الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن والمطران بولس مطر ممثلاًً البطريرك بشارة الراعي (غاب بداعي السفر)، خصصت كلمتان لممثل العاهل السعودي ومفتي الديار المصرية شوقي علام الذي لعب دوراً في إتمام المبادرة المصرية التي أفضت إلى تسوية أزمة الدار وانتخاب دريان، الذي أعلن في كلمته أن "الدار بأجهزتها الدينية والوقفية والخيرية والاجتماعية ستبقى عاملة من أجل السلم الأهلي والوطني ومن أجل خير لبنان وشعبه". وذكّر بوثيقة الثوابت العشر التي أطلقت من الدار عام 1983 ووثيقة الثوابت الوطنية عام 2011 بأن لبنان "وطن نهائي لجميع بنيه وأن مسلميه ملتزمون بعيشه المشترك ونظامه الديموقراطي وانتمائه العربي وحرياته الدينية ومواطنته المتساوية والتزاماته القومية".
المكتب الإعلامي للدار وزع أمس برنامج استقبال المهنئين بانتخاب دريان في دار الفتوى اليوم. يشير البيان إلى أن اليوم الطويل يبدأ عند التاسعة صباحاً بحفل التسليم والتسلم بين قباني ودريان، قبل أن يستقبل الأخير عند العاشرة مفتي الديار المصرية الشيخ شوقي علام، ثم يواصل استقبال المهنئين حتى السابعة مساء ويستأنفها يوم الخميس، علماً بأن حفل التسليم والتسلم الرسمي كان مقرراً إجراؤه يوم الاثنين الفائت، أي قبل التنصيب، بموجب الاتفاق المصري. إلا أن قباني تبلغ بداية من مصادر الرئيس تمام سلام إتمام العملية بعد انتهاء حفل التنصيب مباشرة، على أن يكون في استقبال سلام ودريان في الدار برفقة كبار الموظفين والمديرين ومفتي المناطق. قباني الذي أبدى موافقته، تبلغ في وقت متأخر من يوم أمس تأجيل التسليم والتسلم إلى صباح اليوم لأن "الظروف لن تكون مناسبة في الدار لإجرائها بسبب زحمة الحشود الشعبية التي ستكون بانتظار دريان بعد عودته من مسجد محمد الأمين" بحسب مصادر قريبة من قباني. لكن الأخير الذي سجل اختراقات متتالية للاتفاق المصري، بدءاً من إلغاء حفل المصالحة مع سلام ورؤساء الحكومات السابقين وحتى التأجيل المتكرر للتسليم والتسلم، "قرر الحضور اليوم إلى الدار لا بصفته مفتياً سابقاً، بل مهنئاً كسائر المهنئين، ولن يسلم خلفه الملفات التي كان قد أعدها له يوم الاثنين ولن يصطحبه في جولة تعارف في أنحاء الدار على الأقسام والمديرين والموظفين والمفتين" قالت المصادر. قباني سينهي علاقته بدار عائشة بكار ببيان "يهنئ فيه دريان ويشير إلى حضوره كأول المهنئين". بعد إنجاز قباني لمهمته الصباحية المنتظرة، سيتفرغ مع فريقه باقي اليوم بانتظار إيفاء الرئيس سعد الحريري والوسيط المصري القنصل في السفارة المصرية شريف البحراوي بوعدهما بإعلان إسقاط الدعاوى القضائية التي رفعت بحقه وبحق نجله راغب وعدد من المقربين منهما خلال سنوات القطيعة الثلاث بينه وبين تيار المستقبل. ويتوقع مقربون من قباني اعلان المجلس الشرعي الموالي لتيار المستقبل استقالته في أول اجتماع يعقده برئاسة المفتي دريان.