«مين بدنا نذبح أول شي؟ مين بدنا نقطعلو راسو أول شي؟» هذا ليس ما سأله احد ارهابيّي «داعش» لضحيته قبل ذبحها، بل هكذا قرر محمد فحص (29 عاماً) في بلدة عبا الجنوبية أن «يمزح» مع ثلاثة أطفال من التابعية السورية، وصوّر كامل جريمته ونشرها.ليست الجريمة العنصرية الأولى التي توثق بحق لاجئين سوريين، والأطفال منهم تحديدا، من منا لا يتذكر الفيديو الذي انتشر للطفل عباس الذي ضرب طفلاً آخر من التابعية السورية؟
هذا ما استطعنا الوصول اليه، ممارسات عدوانية وعدائية وعنصرية و«داعشية» يمارسها من يعيش بيننا، وتصلنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وجل ما نقول به من فعل هو اعادة نشر الفعل الحاصل والتعليق عليه.

توجهت «الأخبار» الى بلدة عبا وكان من السهل إيجاد منزل « خيرية» والدة محمد فحص ابن بلدة جبشيت المقيم في عبا، وهو الشاب « القبضاي» حامل السكين. أمه التي كانت تدمع عيناها بين الحين والآخر على ما حصل مع ابنها الوحيد، قالت إنها لم ترَ شيئاً، وفوجئت بالخبر لدى وصول إحدى وسائل الإعلام، وإن « محمد « يتصف بالطيبة وبروحه المرحة. وطالبت الوالدة بعدم ملاحقة ابنها «لأن كل القصة مزح بمزح».
عائلة الضحايا الثلاثة المؤلفة من أب وأم وأربعة أولاد حذرة في الحديث الى الاعلام، لم يتوقف الاب عن الدفاع عن محمد بقوله «صرلي ثلاثة أيام مش نايم». اضاف «مستعد أنا فوت على الحبس بس محمد يطلع». أما الأم، فأصرت على ان «محمد جارنا وحبيبنا ونحنا منعيطلو لنخوف الولاد فيه، وما منقبل يمسو حدا بشر!». وعند سؤالنا عن صحة وجودها في تلك الأثناء، وعن سبب « تعرض» محمد لأطفالها، أجابت الأم إنها عند عودتها من عملها، وبعدما تركت أولادها عند محمد، طلبت من الأخير « تخويف « الثلاثة ليكفوا عن المشاغبة والإزعاج، فما كان من محمد إلا أن حمل السكين وبدأت « المزحة « ! أما الغريب في الأمر، فهو أن الأم أكدت انها هي التي طلبت من محمد تصوير أطفالها بحجة إبقاء الفيديو «ذكرى» على حد قولها.

لم يتوقف الأب
عن الدفاع عن محمد بقوله «صرلي ثلاثة
أيام مش نايم»

ترفض الأستاذة الجامعية والمعالجة النفسية ماجدة حاتم حصر الجريمة في التصرف غير السوي من قبل مريض نفسي، فالتمثيلية المصورة بكاميرا هاتف ذكي وسكين لوّح بها مراهق بوجه ضحاياه الأطفال، لا يمكنها أن تكون عفوية. لماذا نهدد الناس بحياتهم ومعيشتهم؟ تسأل حاتم، التي تشدد على ضرورة عدم تبرير ما حصل، وعلى اقفال الملف فقط لأننا نراه «مريضا»، فتهديد أطفال بالذبح وقطع اليد، وتصوير هذه الجريمة، ليسا بالشيء البسيط، وخصوصا بعدما جمع «المخرج» كافة العناصر: الذبح بالسكين، وأطفالاً سوريين في قبضة «المضيف» اللبناني.
المعالج النفسي في جمعية «حماية» وسام قطيط يتفق مع حاتم على أن الحادثة مخطط لها، وسرد لـ «الأخبار» ما توصّل اليه من خلال مشاهدته للفيديو. الملاحظة الأولى أن فحص استخدم الأطفال لايصال رسالة. وما يعزز هذه الفرضية هو طرحه سؤال « مين بدنا نذبح أول شي» أكثر من 7 مرات وبصيغة الجمع، أي إنه يتوجه الى مجموعة تتخطى الأطفال الثلاثة. فما استشعره الأطفال من خلال سؤال فحص، أنهم مضطرون إلى التضحية بأحدهم، وهذا ما يفسر كيف كان يقوم الأطفال «برمي الموت على بعضهم بعضا».
الملاحظة الثانية أن المسألة ليست عفوية، بل مخططة وتحمل رسالة «عنفية» موجهة الى داعش مباشرة. ويقول هنا، هذه التقنية قديمة تاريخيا، حيث يستمد الأشخاص قوة خصومهم. فما نجده في الشريط هو استخدام للأسلوب نفسه الذي تستخدمه داعش على أنه الأسلوب الوحيد الممكن لتهديد داعش نفسها. هذا المنطق ليس مستغربا، لأنه يترافق مع محاولات تهجير اللاجئين من بعض القرى أو البلدات، ومع الدعوات الى ذبح المعتقلين الاسلاميين في سجن رومية، ردا على ذبح عناصر الجيش اللبناني. الجديد في هذه القضية هو أن الأطفال هم من دفعوا الثمن.
«مزحة» محمد فحص ستترك آثارا على هؤلاء الأطفال في المستقبل، من ضياع في المعاني، وأزمة ثقة وعلاقة مع الآخرين، وكوابيس دائمة وأعراض توتر وتبول لا ارادي، ومشكلة تذكّر الماضي، وغيرها من الآثار التي قد تتراكم إن لم يخضع الأطفال للعلاج.
يشدد قطيط على ضرورة محاكمة فحص، فهذه ليست حالة فردية حصلت، بل حالة تتعلق بالسلوكيات الجماعية، أما التهم التي يفترض توجيهها الى فحص تمهيدا لمحاكمته، فهي التهديد بالايذاء، بحسب المحامية باسمة بلوط، وهي جنحة يعاقب عليها القانون بالسجن من 6 أشهر الى 3 سنوات. أما الأطفال، فعلى قاضي الأحداث فتح ملف لهم، والزام العائلة اخضاعهم للمتابعة النفسية تحت اشراف المحكمة، وبعد التحقيق مع الأم والأطفال، يمكن أيضا لمحكمة الأحداث تحويل الأم والأب إلى المحكمة الجزائية لمحاسبتهما بتهمة الاهمال وترك الأطفال مع أشخاص غير مؤهلين.