سيكون قرّاء جريدة «القاهرة» الأسبوعية الثقافية ابتداءً من عددها المقبل مع رئيس تحرير جديد هو الزميل سيّد محمود الذي جاء خلفاً لليساري القديم صلاح عيسى الذي بقي قاعداً على رئاستها منذ عددها الأول. جاء اختيار سيد محمود الصحافي في مؤسسة «الاهرام» من بين مرشحين عدة تقدموا وتمت عملية المفاضلة بينهم عبر لجنة مكونة من 3 أعضاء من نقابة الصحافيين، إضافة إلى3 أعضاء في «المجلس الأعلى للثقافة» ومعهم وزير الثقافة واثنان من قيادات الوزارة نفسها.
لم تكن بداية جريدة «القاهرة» في نهاية التسعينيات سهلة، هي الصادرة عن وزارة الثقافة في عهد فاروق حسني، الوزير السابق في جمهورية حسني مبارك. منذ عددها الأول، لم يتوقف فاروق حسني عن إعلان رغبته في ضمّ المثقفين إلى حظيرته واستخدام الجريدة بهدف تلميع واجهة الوزارة والمناخ الثقافي الرسمي الذي كان واقعاً تحت سيل هجوم لم يكن ينقطع من طرف النخبة المصرية. كانت الأخيرة تريد تحرير «المجلس الأعلى للثقافة» من سلطة الوزارة وإعادة هيكلته كمجلس مستقل. تلك التبعية ربطت المجلس بالوزارة ووقفت أمام تفعيله والافادة من إمكانياته. وكانت «القاهرة» واحدة من الوسائل التي استُخدمت للقفز على كوارث إنسانية وثقافية حصلت في عهد ذلك الوزير منها «حريق بني سويف» الشهير الذي راح ضحيته العشرات من كبار المسرحيين المصريين وحريق المسرح القومي وسرقة لوحة «زهرة الخشخاش» الشهيرة من «متحف محمد محمود»، إضافة إلى النهب المُنّظم للآثار والسرقات الذي تورّط فيه كبار المسؤولين. وعليه، نشأت قطيعة بين غالبية المثقفين المصريين وجريدة «القاهرة»، هم الذين بقوا محكومين بهاجس الخوف من فقدان الاستقلالية في حال تعاملوا مع أيّ جهة تنتمي إلى المؤسسة الثقافية الرسمية.
وعليه، يبدو أن مهمّة سيّد محمود لن تكون مفروشة بورود الثقافة. هو يستعد للسير على طريق يهدف أولاً إلى إزالة الصورة الأولى عن جريدة وزارة الثقافة الثابتة في ذهن النخبة المصرية والعمل على رسم صورة جديدة تكون مساحة لبداية جديدة.
يعترف محمود بأنه سيعمل على تكريس مفهوم الابداع الصحافي بهدف «جذب قرّاء سئموا من إعادة إنتاج القديم». كما يؤكد أنه «ابن تجربة الصحافة العربية». من هنا سوف ينطلق لتأسيس حلقة تواصل مع أقلام من خارج مصر، مشيراً إلى أن كل رموز النهضة المصرية تقريباً «أتوا من تربات مجاورة أو جارة، لكنها لم تكن صالحة لإنباتهم واثمروا في مصر وحدها»، على أن يكون هذا مبنياً على شرط «الاستيعاب لا التدجين».
وكان محمود قد افتتح مسيرته الصحافية عن طريق الكتابة في مجلتي «المسرح» و»القاهرة» ثم اشتغل مراسلاً لجريدة «الحياة» اللندنية ووكالة «رويترز”. ينتمي أدبياً إلى جيل التسعينيات المصري الذي أفرز أسماء أدبية مثل الشاعرة إيمان مرسال، وجيهان عمر، وكُتّاباً ومترجمين كهدى حسين، وياسر عبد اللطيف وأحمد يماني. أصدر ديواناً بالعاميّة هو «تاريخ تاني» (2000) وبالفصحى «تلاوة الظل» (2012) إضافة إلى كتاب توثيقي عن تاريخ الحركة الطلابية المصرية في الأربعينيات بعنوان «حكاية كوبري عباس» (2000)، إضافة إلى تحرير كتاب «فتنة السؤال»(2007) مع الشاعر البحريني قاسم حداد.