صنعاء | يشبه مشهد صنعاء اليوم، إلى حدّ بعيد، ما كانت عليه خلال فترة الانتفاضة الشعبية عام 2011، على الرغم من بعض الاختلافات في تقسيمات التجمعات الشعبية. قبل ثلاث سنوات، كانت العاصمة اليمنية مقسّمة عبر خط شارع الزبيري، وهو الأكبر في العاصمة، إلى جنوب وشمال. القسم الجنوبي، مرتبط بالرئيس السابق علي عبدالله صالح وبمناصريه المحميّين من قبل قوات النظام نفسه. فيما يضم القسم الشمالي شباب الانتفاضة المتمركزين في ساحة التغيير في محيط جامعة صنعاء، تحميهم عناصر من قوات اللواء علي محسن الأحمر بعد انشقاقه عن نظام صالح إثر مجزرة «جمعة الكرامة» الشهيرة التي راح ضحيتها نحو 53 قتيلاً.
أمّا في الانتفاضة المستمرة منذ ثلاثة أسابيع في العاصمة، بقيادة جماعة «أنصار الله»، فإنه لا يبدو واضحاً وجود مناطق تخصّ الأطراف المؤيدة للحكومة ولنظام الرئيس عبد ربه منصور هادي، حيث يكتفي مؤيدو هادي والحكومة بالخروج ظهيرة كل يوم جمعة لأداء الصلاة في شارع الستين، وهو الشارع نفسه الذي كان في السابق لشباب انتفاضة 2011. في حين تقيم جماعة الحوثي والمؤيدون لها من مختلف فئات المجتمع، بصورةٍ رئيسية في الشارع المؤدي إلى مطار صنعاء الدولي، في الجهة الشمالية من العاصمة. الاعتصام الذي بدأ قبل ثلاثة أسابيع، امتد ليصل إلى مبانٍ حكومية شديدة الحساسية؛ منها مبنى وزارة الداخلية ووزارتا الاتصالات والكهرباء، ومبنى السجن المركزي، وهو أحد أهم السجون النظامية في اليمن.

أعداد مؤيدي
الحكومة رمزية مقارنةً بأعداد مؤيدي الحوثيين

ومنذ أول من أمس، بدأ الاعتصام يأخذ منحىً جديداً، حين وقع أول تصادم بين المعتصمين وقوات مكافحة الشغب. وقبل المواجهة الدامية التي تكررت يوم أمس، كان الاعتصام قد وصل إلى مرحلة قطع الطريق بالكامل أمام المتوجهين إلى مطار صنعاء، بالإضافة إلى محاولة المتظاهرين اقتحام مبنى وزارتي الاتصالات والكهرباء ومنع الموظفين من الدخول إلى مقار أعمالهم، ما أدى إلى تدخل القوات الأمنية واستخدامها المياه والغازات المسيلة للدموع.
هذه الواقعة أجبرت الرئيس هادي مساء الأحد الفائت على إقالة قائد القوّات الخاصة فضل القوسي، وهو الأمر الذي ظهر كمحاولة منه لامتصاص غضب المعتصمين. قرار لم يمنعهم، صباح أمس، من تكرار محاولاتهم والعمل على منع العاملين في وزارتي الكهرباء والاتصالات من التوجه إلى أماكن عملهم.
هذه الأحداث جرت في وقت واصلت فيه أعداد كبيرة من المتظاهرين اعتصامها في جزء من ساحة التغيير التي لم يغادروها منذ لحظة إعلان سقوط الرئيس صالح ووصول رئيس انتقالي للبلاد. ولكن مع ذلك، تبقى أعدادهم رمزيّة ولا تقارن بحجم عدد المعتصمين من الحوثيين وأنصارهم في المنطقة القريبة من مطار صنعاء. كذلك، يحتضن اثنان من أهم مداخل صنعاء من الجهة الجنوبية والغربية اعتصامات أكبر من تلك التي تشهدها ساحة التغيير. الاعتصام على هذين المدخلين يختلف عن ساحات الاعتصامات الأخرى بضمّهما عدداً غير قليل من المسلّحين، بينهم عناصر من «أنصار الله»، بالإضافة إلى أفراد من القبائل المناصرة لهم. هذه القبائل كانت قد أعلنت تضررها من الإجراءات التقشفية للحكومة، ما أدى إلى التأثير على نشاطهم الزراعي الذي يعتمدون عليه في حياتهم اليوميّة، ما يؤكد أن انضمامهم إلى الاحتشاد جاء بدافع اقتصادي، ولم يكن مذهبياً.
وبالنسبة إلى هاتين الساحتين المؤديتين إلى مداخل العاصمة، فقد أعلن المعتصمون فيهما مساء الأحد الفائت منعهما دخول أو خروج أيّ سيّارات تابعة للحكومة احتجاجاً على محاولات تدّخل قوّات الأمن لفض الاعتصام في شارع المطار.
هذه الخريطة لا تنبئ باحتمال حدوث أي نوع من الاشتباكات الأهلية بين جماعة «أنصار الله» والمجموعات المؤيدة لها من جهة، وبين الجماعات المؤيدة للحكومة من جهةٍ أخرى، حيث لا وجود فعلياً ميدانياً للمؤيدين. في هذا الوقت، يبقى الاحتمال الأكثر قابلية للحصول هو دخول القبائل إلى صنعاء، بعد دعوة هادي لها، لمساندة الشرعية تحت شعار «الاصطفاف الوطني». هذا الأمر، إن تحقق، سوف يؤدي بالضرورة إلى التصادم بينها وبين الحوثيين، حينها لن يتمكن أحد من توقع حجم الخسائر التي ستقع من الجانبين.