المكتبة الموسيقية

الحلقة ٦٦

  • 1
  • ض
  • ض



الحل ليس بمعسكر تدريب وإعادة تأهيل! هكذا هو العصر والعناد في حث الناس على متابعة الأوبرا هو ضرب جنون. انتقاد هؤلاء الناس وممارسة «العفة التكنولوجية» وادعاء التفوق الذهني الوهمي على مجتمع بكامله هو مرض بورجوازي معطوف على رجعية من العيار الثقيل.

لهذا السبب، لنترك عالم الأوبرا والعلاقة المعمّقة به للعاملين في هذا المجال (من موسيقيين ومغنين وقادة أوركسترا وغيرهم) ولبعض الباحثين في الموسيقى والجمهور الذي شاب على هذا الفن بعدما شبّ عليه في زمان ومكان سمحا بذلك (أواسط القرن الماضي في أوروبا… والاستثناءات موجودة دائماً).

لكن هل يجوز أن نترك صناعة فنية بشرية جميلة تموت هكذا ببساطة وللأسباب الآنفة؟ هذا حرام، علماً أننا سنكون واقعيين ونقول بأن بعض الأعمال الأوبرالية فعلاً لا تطاق. وهناك أعمال يتخللها مقطع وحيد مذهل لكن البحث عنه في بحر العمل الكامل أيضاً لا يطاق. في بعض الأحيان تسعفنا الصورة أو السينوغرافيا والإخراج (وبالأخص عندما تكون الرؤية عصرية في تناول أساطير قديمة أو مواضيع مرّ عليها الزمن). في لبنان المشكلة مضروبة بمئة، ولن يكون لهذا البحث صلة بسبب تعقيداته.

من هذا المنطلق، سنقترح عليكم حلاً معقولاً يسري على هذه الحلقة وعلى غيرها في المستقبل.

أولاً، المقطع الذي نسمعه هو جزء من عمل ضخم. اخترناه لروعته الموسيقية أولاً… والأصح، أولاً وأخيراً. أي أننا سنقاربه على أنه مقطوعة موسيقية بدون كلام، بمعنى أننا لن ندخل في شرح معاني النص الشعري ولا في حبكة الأوبرا ولا في وظيفة هذا المقطع تحديداً ضمن هذه الحبكة،… لنعتبرها أغنية أحببناها لكننا لا نعرف اللغة التي كتبت بها ولا يهمنا الأمر كثيراً، ولنستمتع بالصوت البشري وقدراته وجماله بصرف النظر عن الموقف المعبَّر عنه من خلاله.

ثانياً، سيتم التركيز على المقاطع التي تُعتبَر مقاربتها السمعية سهلة حتى لمن لم يسمع أوبرا في حياته.

ثالثاً، في معظم الأعمال الأوبرالية هناك افتتاحية أوركستراية (وأحياناً فواصل موسيقية داخل العمل)، وهذه أيضاً سيجرى التركيز عليها باعتبارها عملاً موسيقياً مستقلاً.

أخيراً، هناك عدة ملوك في الموسيقى وفي غيرها… هناك عدة ملوك على عرش واحد (مثل ملك البطيخ… العرش واحد وملوكه بالمئات). في الموسيقى لدينا، بعكس مملكة البطيخ، ملك واحد على عروش عدة: إنه موزار وفن الأوبرا هو أحد عروشه. لا منافسة معه من باخ: لم يكتب أوبرا. ولا من بيتهوفن: كتب عملاً واحداً لا يضاهي عملاً من الدرجة الثانية من عند موزار. من؟ فيردي؟ عظيم… لمن «يحبها سكّر زيادة». وكذلك فاغنر… لمن يفضل الأساطير الجرمانية. لكن نحن نتكلم عن طائر رقيق وجبار، يتخطى حدود الجغرافيا والحضارات والزمن بضربة ريشة، قبلها العدم وبعدها الوجود على هذه الأسطر الخمسة. بالتالي، سنعود إليه مراراً في الجانب المخصص للأوبرا في المكتبة. طبعاً، وهل من عاقلٍ يضيّع العمر على الأربعين أوبرا التي تركها سالييري المسكين؟

في هذه الحلقة نسمع «آريا» (هكذا يُسمى انفراد مغنٍ في أداء مقطع مغنّى في الأوبرا عموماً. لكن سمّوها مغنّاة، أغنية، دَوْر، طقطوقة،… سمّوها ما تشاؤون) معروفة في عالم الموسيقى بـ«آريا ملكة الليل» (نسبة إلى شخصية بهذا الاسم في العمل). هذه التحفة التي تعتبر تحدياً مقلقاً لأي سوبرانو في العالم مأخوذة من «الناي السحري» (الأوبرا ما قبل الأخيرة التي أنجزها موزار وعرضها قبل نحو شهرين من رحيله)، العمل الذي كان يعتبره بيتهوفن أهم ما كتب موزار في هذه الفئة. الأديب الألماني غوتيه كان له رأي آخر إذ اعتبر أن أوبرا «دون جيوفاني» هي المرجع الذي تقاس على أساسه الأعمال الأوبرالية. مَن مِن هذين العملاقين، بيتهوفن (المولع بالمناسبة بـ«دون جيوفاني» أيضاً) وغوتيه (المولع بالمناسبة بالـ «ناي السحري» أيضاً)، على حق؟ الجواب: موزار طبعاً!

في الختام كلمة في الأداء: لا تبحثوا كثيراً عن تسجيلٍ أفضل لهذا الآريا. على صعيد الأوركسترا قد نجد بمستواه أو أفضل منه بشكل طفيف، وهذا نادر على أي حال. لناحية الغناء، الأمر أصعب، إذ من الصعب توفّر جميع العناصر الموجودة هنا: الأداء المناسب للحبكة ولشخصية «ملكة الليل» عموماً، الطاقة التي تؤمن مستوى زخم ثابت حتى النهاية، المهارة التقنية العالية المطلوب استنفارها الدائم، مخارج الحروف الألمانية…

  • Title'Der Hölle Rache', aria from 'Die Zauberflöte' (The Magic Flute)
    Composer W. A. Mozart (1756 - 1791)
    Year 1791

1 تعليق

التعليقات

  • منذ 9 سنوات مجهول :
    ‫حلقة جميلة.. وعلى سبيل
    ‫حلقة جميلة.. وعلى سبيل التغيير و التشريق لا أدري إن كان يتسنى لكم انزال قطع شرقية مثل عود السنباطي ، وقانون جورج أبيض ، وبزق محمد عبدالكريم و غيرهم الكثير. مجرد اقتراح