المسألة ليست مسألة حريّات كما يوحي الأمر. إنّها أعقد قليلاً من أزمة «السوتيان» الدارجة، مع كل الاحترام ــ بطبيعة الحال ــ للواتي «يتحسسن»، أو الذين «يتحسسون»، من الحديث عن «سوتيناتهم» و«سوتيانتهن». فقد هبّت، أخيراً، على البلاد، رياح عاتية، ربما من أفغانستان، أو من جهة الرقة والأنبار، وهي رياح يتعامل معها اللبنانيّون بخفةٍ ومرحٍ لافتين.
نتحدث عن حادثة في سياق طويل، يمشي «الهوينا»، ويتجول في متحف المجتمع الذي ــ كما كان متوقعاً ــ استجاب سريعاً للغرائز التي توقظها الحرب. سياق يبدأ بـ «فتوى» رئيس بلديّة طرابلس نادر الغزال التي تحرّم المجاهرة بالإفطار، علماً أنها لم تحدد ــ آنذاك ــ عقاب المخالفين، وكم عدد الجلدات التي سينالها كل مُفطر فاسق لعين. «المُلا» نادر الغزال أعلن بذلك عصراً جديداً، يساير التحولات في المنطقة. والحال أن الدكتور عبد المنعم يوسف (والرجل يحبّ أن يقال له «دوكتور»)، يرتكز في «إشعاره» الأخير بحجب بعض المواقع عن شبكة الإنترنت إلى عاملَين رئيسيين. الأول، وهو وارد في الإشعار، أي «إحالة من النيابة العامة التمييزيّة»، ما يحيّده عن موقع السؤال تحييداً شبه تام. والثاني، هو نظرة المجتمع اللبناني (الساذجة) عموماً إلى صناعة البورنو. وإن كان النقاش في العامل الثاني يستدعي سجالاً طويلاً، فإن العامل الأول لافتُ بلا شك. النيابة العامة تنبهت بـ«حنكة»، إلى ضرورة إغلاق «6 مواقع إباحيّة»، لم يوضح بيان وزارة الاتصالات سبب اختيارها بالذات، وأين «الحكمة» في ذلك، ولماذا يحدث هذا الآن. حتى وزير الاتصالات، الذي يعرف عنه بأنّه «ثائر» هو الآخر (فقد شارك في «ثورة الأرز» الشهيرة)، وهو من دعاة الحريّة والحريّات والحقوق في أي حال، لم يذكر أي تفاصيل إضافيّة عن قرار المنع.

لم يوضح بيان وزارة الاتصالات سبب اختيارها بالذات، وأين «الحكمة» في ذلك

سيظهر العرض أعلاه مظهر الدفاع عن المواقع الإباحيّة، وقد يوضع في مصاف المروّج لها. وفي القرن الحادي والعشرين، هذا ليس جريمة بأي حال، فثمة نقاش عالمي يجري الآن، للمصادفة، حيث تواجه هذه الصناعة خطر الانهيار، بعد إصابة إحدى الممثلات بالإيدز، وتعليق التصوير لمدة ثلاثة أيام في لوس أنجليس، أحد أكبر معاقل هذه الصناعة. ويشير المتابعون إلى أن صناعة البورنو الاحترافيّة تواجه مشكلة حقيقيّة، يمكننا الجزم أن لاعلاقة لها بقرار المنع اللبناني العجيب أخيراً. ربما، منعت هذه المواقع، تماشياً مع السجال العالمي، لا نعرف، لم يوضح أحد بعد. قد تكون هذه المواقع بثت نوعية رديئة من «البورنو»! يتوجب انتظار الوزير بطرس حرب، أو النيابة العامة التمييزية، أو حتى الدكتور يوسف، لكي يوضحوا حيثيات القرار. وهو قرار يظهر حرصاً واضحاً (والحمد لله) على «الأخلاق العامة»، ويبدو ثيولوجياً في باطنه. وإن كان بعضهم يظن أنه يحارب «داعش» بتهيئة «بديل شرعي» له يسهل رفضه، فإن البلاد تسير إلى مبايعة أبو البكر البغدادي سير الواثق. لا كهرباء، ولا ماء، لا «سوتيانات». لا شيء في هذه البلاد إلا رياح عاتية، يُقال إنها طالبانيّة من أفغانستان، والعلم عند المولى. صار في المتناول كميّة من الحوادث التي من شأنها مدّ البساط الأحمر أمام ما يُرمز إليه اصطلاحاً بـ«داعش».
إلى الجهاد إذاً. ماذا يفعل المشتاقون إلى «داعش»؟ إلى الجهاد. و«داعش» تسمية اعتباطيّة لحالة أكثر تعقيداً. إلى الجهاد، جهاد ــ ربما ــ بناءً على إحالة النيابة العامة التمييزيّة. إلى الجهاد. وقد يصير هذا إعلاناً حكومياً (ميموناً)، ممهوراً بختم «وزارة العدل والشؤون الإسلاميّة»، أو وزارة «القضاء الشرعي»؛ لمَ لا ونحن في عصر «الجهاد»؟! إلى الجهاد يا معالي الوزير، والأجر عند الله سبحانه وتعالى، والحمد الله، والله أكبر: أعلام «داعش» لن تسقط. ملعون الذي يريد أن يحرقها. لا مكان للقس تيري جونز بيننا يا معالي الوزير.
مواقع «البورنو» يجب أن تحجب. وزير الاتصالات مجاهد ــ حتى الساعة ــ أيضاً. والمجاهرة بالإفطار حرام. إلى الجهاد «البلدي» في طرابلس وصيدا. الكحول في صيدا والجنوب يجب أن تمنع. إلى الصرف الصحي، أيتها الكحول، كما في الموصل تماماً. هل سيأتي اليوم الذي نشهد فيه حملة لتوقيع البيانات الرسميّة باسم: الدولة اللبنانيّة الإسلاميّة بين ظهراني الشام والرافدَين؟




ريفي والفتنة

أول من أمس، أصدر مكتب وزير العدل، أشرف ريفي، بياناً، طلب فيه من مدعي عام التمييز، التحرك لمتابعة وتوقيف الذين أحرقوا راية «داعش» في الأشرفيّة، والأهم: «إنزال أشد العقوبات بهم». فقد تفطن الوزير ريفي إلى أن الفِعل «يشكل تحقيراً للشعائر الدينيّة»، وللأديان التي خص منها «السماويّة». وفيما لم يفت ريفي التذكير بأن هذا العمل يمكن أن «يؤدي إلى إثارة الفتنة»، أثيرت «الفتنة» بعد دعوة ريفي وتحذيراته مباشرةً، حيث غصت مواقع التواصل الاجتماعي بسيل من المدافعين عن حرق العلم، والمعترضين أيضاً. ورجح متابعون أن يكون طلب ريفي يرتكز إلى «أسباب انتخابيّة».