لو انّك قلت لعربيّ في السبعينيات أن مقاتلات ابو ظبي سوف تشارك، بعد عقودٍ قليلة، في حملات خارجية وتشنّ غاراتٍ في شمال افريقيا، لاتّهمك بالجنون. قصف الطائرات الاماراتية لليبيا هو اشارة الى عاملٍ جديدٍ طرأ على الساحة العربية، سوف نضطر للتعايش معه ومع نتائجه في السنوات القادمة.
الموضوع يتمثّل في سياسة جديدة تعتمدها الولايات المتّحدة في ادارة مناطق نفوذها، وهي تقوم على «تلزيم» مهام الأمن والدّفاع ــــ قدر الإمكان ــــ الى حلفائها المحليين، بمعنى أن تصير دولٌ ككوريا واليابان والامارات امتداداً مباشراً للقوّة الأميركيّة، تقاتل الى جانبها وتنوب عنها في كثيرٍ من الحالات، وتؤسّس في منطقتها «نظاماً اقليمياً» يوفّر على اميركا الكثير من الاستثمار العسكري والمادي، اذ يصير دورها مقتصراً على التوجيه والادارة وتقسيم المهام.
الامارات، مثلاً، تملك اليوم أحد أقوى أسلحة الجو في العالم، من دون مبالغة، وكلّ صفقاتها مع اميركا وفرنسا ــــ منذ أواخر التسعينيات ــــ تركّز على مبدأ «التشغيل المشترك» (inter-operability) بين المقاتلات المحليّة وطائرات الـ«ناتو»، أي أنّ أنظمة التواصل ونقل المعلومات وادارة المعركة متماثلة، فيصير بامكان الطائرات الاماراتية (والسعودية والقطرية وغيرها) أن تشارك ضمن الأسراب الأميركيّة في أيّة معركةٍ مستقبليّة، او حتّى أن يستعملها الطيارون الاميركيون مباشرة. بدلاً من أن تبقي الولايات المتّحدة على مئات الطائرات والسفن في قواعدها في الخليج والمحيط الهادىء، تتمكن هكذا من نقل جزء مهمّ من «كلفة الهيمنة» الى حلفائها، الذين تصير معدّاتهم بمثابة احتياط اميركي حاضر للاستعمال في المناطق الساخنة.
في مرحلة لاحقة، ابتدأت مع الادارة الحالية في البيت الأبيض، انتقلت عقيدة «التلزيم» هذه الى درجةٍ أعلى، اذ صارت اميركا تتوقّع من حلفائها أن ينفّذوا، بأنفسهم وعلى حسابهم، جزءاً أساسيّاً من المهام التي كانت تضطلع بها في السابق. هذا ما اعتبره البعض، عن خطأ، تراجعاً وانسحاباً لإدارة أوباما. بينما اميركا، في الواقع، تنخرط في عددٍ من الصراعات والتدخّلات يفوق بكثير نشاط ادارة جورج بوش ــــ مع فارقٍ وحيد، وهو أنّ اميركا لا تقف دائماً في الواجهة. لا يغفل عن هذه المسائل الّا من يصدّق النّسخة السّاذجة عن العلاقات الدولية، فيفترض أنّ سياسات الخليج وتركيا في سوريا، مثلاً، جرت بمعزلٍ عن التوجيه الاميركي، أو أنّ الامارات ومصر تقصفان ليبيا بقرارٍ سياديّ. كما كتب معلّقٌ اميركيّ بعد الغارات على طرابلس: «إن كنت تعتقد حقّاً أن الامارات ومصر قد عملتا من تلقاء نفسيهما ومن دون أوامر اميركيّة، فأنا أملك جسراً للبيع».