قد تكون الحرب على قطاع غزة هدأت عسكرياً، لكن تداعياتها في الساحتين السياسية والاقتصادية تتوالى. وصحيح أن لكل حرب تكاليفها المالية وآثارها على الاقتصاد، لكن المشكلة بالنسبة لإسرائيل أن هذه الحرب تزامنت مع مؤشرات الانزلاق إلى الركود. هذا التقاطع دفع صحيفة «ذي ماركر» الاقتصادية إلى وصفه بأنه «أسوأ توقيت ممكن»، وتفسير ذلك أن الركود يؤدي إلى نقص الأموال التي تحتاج إليها الموازنة بحكم الانخفاض المرتقب في المداخيل. فيما تكاليف الحرب تحتاج الى المزيد من الأموال التي بدأت المؤسسة الأمنية المطالبة بها.
مع ذلك، يبقى السؤال الأساسي عن سبيل معالجة هذه القضية، ونظرياً تتراوح الحلول بين فرض ضرائب أو تقليص الموازنة أو رفع نسبة العجز. أو الثلاثة معاً.
في المقابل، تتعدد التقديرات والمواقف بين الجهات ذات الصلة، والمشكلة تبدأ من اختلاف الأرقام بين وزارة المالية والمؤسسة الأمنية، إضافة إلى التباين في الاقتراحات المطروحة. بداية مع المؤسسة الأمنية التي حددت أن الحرب كلفتها نحو 9 مليارات شيكل (1 دولار = 3.5 شيكل)، أما في «المالية» فيقولون إن إجمالي العلاوة التي ستحصل عليها المؤسسة الأمنية بفعل الحرب نحو 4 أو 5 مليارات شيكل، ويبررون موقفهم بأن الجيش استخدم ذخيرة نفد مفعولها، وأن جنود الاحتياط كان سيجري تجنيدهم في كل الأحوال خلال السنة الجارية.
أيضاً، تطالب المؤسسة الأمنية بعلاوة 11 مليار شيكل لميزانية عام 2015، لكن الوزارة تقترح أن عليها الاكتفاء بعلاوة 2.5 مليار شيكل كي لا يمس مجمل الموازنة للعام المقبل.
بين الاثنتين، شدد رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو على ضرورة تلبية الاحتياجات العسكرية في أعقاب انتهاء الحرب ودروسها، كما تحدث عن الحاجة إلى تطوير تكنولوجي من أجل كشف الأنفاق وتدميرها، فضلاً عن تزويد الدبابات والمجنزرات الحديثة لدى الجيش (النمر) بمنظومة «معطف الريح» لاعتراض الصواريخ المضادة للدروع، لذلك نقلت صحيفة «ذي ماركر» عن مصادر تقديرها أن نتنياهو يميل جداً إلى مطالب المؤسسة الأمنية.
على خط مواز، يدور السجال حول الحلول المطروحة؛ ومن ضمنها تقليص الموازنة بمعدل 2% في أساس موازنات كل الوزارات للعام الجاري، باستثناء وزارة الدفاع من التقليص، والهدف زيادة ميزانية الدفاع عن عام 2014 و2015، بمقدار 1،5 مليار شيكل. ويفترض بحث هذه القضية في جلسة الحكومة يوم الأحد.
مع ذلك، في بنك إسرائيل يطالبون بالحفاظ على كل الميزانيات الحكومية المدنية، ويدعمون خيار رفع العجز عن العام المقبل من 2.5% إلى 3% وليس أكثر من ذلك.
في المقابل، يرى وزير المالية، يائير لابيد، أن هناك حاجة إلى رفع العجز في ميزانية 2015 إلى أعلى من 3% كي يكون ممكناً سد الثغرة الكبيرة في الميزانية، وشدد لابيد على معارضته طرح ضرائب جديدة أو إلغاء الإعفاءات من الضريبة أو التقليص في ميزانية الدولة.
أما محافظ بنك إسرائيل، كرنيت بلوغ، فعارضت بشدة رفع العجز فوق الـ 3%، واقترحت رفع الضرائب للتغلب على أزمة ميزانية الدولة 2015. لكن لابيد رأى أن ذلك سيمس مداخيل العائلات «فيما يجب أن يشكل اقتصادها في السنة المقبلة المحرك للنمو الاقتصادي».
في كل الأحوال، فإن جلسة الحكومة الأولى لمناقشة ميزانية الدولة للعام المقبل ستعقد في 11 أيلول. وضمن هذا السجال، وصفت عضو الكنيست عن حزب «العمل»، شيلي يحيموفيتش، قرار التقليص العرضي في ميزانيات الحكومة بأنه «الخطوة الأكثر جبناً» التي لجأ إليها نتنياهو ولابيد. ورأت أن خيار التقليص يجنبهما «الاصطدام بالأقوياء، بينما سيضربان الفقراء والطبقة الوسطى».
وحذرت يحيموفيتش من أن هذه الخطوة «ستقلص المداخيل الشاغرة لدى العائلات وتعظم الركود الذي باتت مؤشراته واضحة منذ الآن».
من جهتها، اعتبرت رئيسة حزب «ميرتس» اليساري، زهافا غلاؤون، أن قرار لابيد التقليص العرضي في ميزانية الدولة يثبت عجزه عن إدارة سياسة ميزانية جدية.
ونهاية، يتحضر طرفا الصراع، «المالية» والمؤسسة الأمنية، لنزال جديد قد يجري خلاله اللجوء إلى مختلف أنواع الأسلحة، فالأولى تحذر من الآثار الاقتصادية السلبية لأي زيادة مبالغ لمصلحة المؤسسة العسكرية، والثانية (الأخيرة) تحذر في مثل هذه الحالات من أن الجيش قد لا يكون جاهزاً بما فيه الكفاية في أي حرب مقبلة، الأمر الذي سيمس الأمن القومي الإسرائيلي.