لم تكن مكاشفة اقتصادية ــ سياسية على طاولة برنامج كلام الناس بين نواب وممثلين عن الهيئات الاقتصادية وهيئة التنسيق النقابية، كما أرادها مرسال غانم، لأن أياً من الفريقين لم يكن منفتحاً على الاقتناع برأي الآخر، فيما كانت الحلقة تعيد عملياً النقاش إلى النقطة الصفر، وكأنه لم تمر 3 سنوات على التحرك.
ربما كانت مكاشفة مع الجمهور، إذ فضحت مرة جديدة سطوة تجمع أصحاب الرساميل الذي كان متمثلاً في الحلقة برئيس جمعية تجار بيروت نقولا الشماس. فالتجمّع «النافذ» أظهر، وإن غاب الكباش المباشر مع هيئة التنسيق في المرحلة الأخيرة، أنّه لا يزال في الميدان ولا يزال يُعلن أنّ «الأمر لي» وأننا «نُطاع ولا نطيع» وينصّب نفسه بديلاً من الدولة والأكثر حرصاً على سلامة الاقتصاد اللبناني. استعادة الخطاب التهويلي جعلت أحد المعلمين يعلق على مواقع التواصل الاجتماعي «يا جماعة والله تسمية حيتان المال قليلة عليهم، لأنّ الحيتان رحيمة. هؤلاء أسماك قرش أو أسماك بيرانا تنهش من لحم الشعب اللبناني».
لم يتوقف الشماس، على مدار الحلقة، عن محاولة أخذ قضية سلسلة الرتب والرواتب إلى التهريج، في محاولة للتهرب من الإضاءة على وجع الناس، وساهم مع الضيف الثاني النائب غازي يوسف في «تسخيف» التحرك أمام الرأي العام. الأخير طلب من هيئة التنسيق النقابية أن تكون واقعية في التعاطي مع ملف السلسلة، لافتاً إلى أن وزير التربية الياس بو صعب جرّها إلى التصعيد. وحذّر من إفلاس البلد إذا لم تعالج الأرقام في السلسلة. في الواقع، حاول يوسف، بحسب المعلمين، تضليل المشاهدين، وخصوصاً حين تحدث عن الراتب التقاعدي للمدير العام وعن بداية راتب المعلم في المرحلة «الأساسية» الذي يعيّن في الدرجة 9 بحسب السلسلة التي أعدتها اللجنة النيابية الفرعية الثانية برئاسة النائب جورج عدوان وليس في الدرجة 15، كما قال يوسف. وعلّق المعلمون: «معلومات غازي يوسف مغلوطة ولا تزال هي هي، رغم التوضيحات السابقة التي أعطيت له».

التجمع «النافذ»
لا يزال في الميدان وينصّب نفسه بديلاً
من الدولة

نجح الشماس ويوسف في استفزاز جمهور المعلمين الذين رأوا في الحلقة فرصة لتصويب البوصلة عند بعض القواعد التي فقدت الثقة بهيئة التنسيق، عساها تعيد الزخم إلى التحرك، وخصوصاً أن «الصراع تاريخي بين الشعب والسارقين، ولن ينتهي بحلقة تلفزيونية». وفي أثناء عرض البرنامج، انهال «الفايسبوكيون» بعبارات الغضب، واصفين الشماس بـ«الوقح» و«الحقود» و«المهرّج» و«فالتة أعصابو» و«يناقض نفسه» «وغير متوازن».
استغربوا كيف يقول إن رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي حنا غريب ورئيس نقابة المعلمين نعمة محفوض شوّها سمعة الأساتذة في لبنان، وأن يدعو إلى تفعيل الرقابة على أفراد الهيئة التعليمية لكونهم لا يعملون ولا يذهبون إلى صفوفهم، وأن يعطي النقابيين دروساً في التربية حين يقول لهما إن «كلام التربويين يجب أن يكون هادئاً».
الطامة الكبرى، بالنسبة إليهم، كانت في آخر الحلقة حين رأى يوسف والشماس أنّه لا يجوز للهيئة أن تتكلم بأرقام تتجاوز المطالب المباشرة بزيادة الراتب. سألوا: من يفعل ذلك؟ ويجيبون: «نحن نملك الصورة الشاملة للهدر والفساد والانهيار الاقتصادي الذي يوصلنا إليه السياسيون الساعون للتمديد لأنفسهم».
في المقابل، بدا المعلمون راضين عن أداء غريب ومحفوض «اللذين عرفا كيف يستخدمان الحجة للرد على أضاليل الهيئات الاقتصادية وجميع السياسيين، فالشباب بيّضوها وما قصّروا»، بحسب تعبير إحدى المعلمات الناشطات.
أثنى البعض على ملاحظة غريب في بداية الحلقة حين رفض الفصل بين مجلس النواب ووزير التربية رداً على سؤال: «مسؤولية من إعطاء الإفادات المدرسية؟»، إذ اقترح أن يكون هناك خياران للجواب: هيئة التنسيق والسلطة السياسية، ما يعني جمع النسب التي نالها كل من الوزير ومجلس النواب، لتصبح 67.3% يحمّلون السلطة المسؤولية مقابل 32.7% يحمّلون المسؤولية لهيئة التنسيق.
المعلقون من المعلمين لم يكن لهم مآخذ كبيرة على إدارة غانم للحلقة، إلا أن بعضهم أخذ عليه قبوله بإعلان موقف أحد المتعاقدين الذي بعث له برسالة يقول فيها لمحفوض: «طهّر نيعك قبل أن تحكي عن المتعاقدين»، وجاء ذلك رداً على تناول محفوض للمتعاقدين، إلاّ أنه عاد وأوضح أنّه قصد عدم جواز احتساب المتعاقدين ضمن الهيئة التعليمية عند الحديث عن توزيع عدد الأساتذة إلى عدد التلامذة، ففي ذلك ظلم كبير، لا سيما أن البعض لديه ساعة أو ساعتين. ورأى محفوض أن الطبقة السياسية تتحمل كل المسؤولية، فهي التي ضحت بالطلاب وأخذت البلد إلى الهاوية. وأشار الى أن هيئة التنسيق تعطي مثالاً راقياً وديموقراطياً للطلاب، لكونها لم تحرق دواليب ولم تقطع الطرقات.