كانت الأسئلة التي شغلت اهتمام المعلقين الإسرائيليين بعد إعلان وقف الحرب ماذا جنت إسرائيل من عدوانها، ولماذا وافقت على وقف النار؟ وكم من الوقت سيمر قبل بدء جولة جديدة من القتال؟ وأيضا لم يغب التساؤل عن تداعيات ما حدث على الأمن القومي الإسرائيلي، ومنعة الجبهة الداخلية، وكذلك ثقة الإسرائيليين بجيشهم؟، وذلك وصولا إلى الاستفاهم عن استقرار ومصير الائتلاف الحكومي، ومستقبل رئيس وزراء العدو بنيامين نتيناهو السياسي؟
هذه الأسئلة وغيرها، إن تأخرت الإجابة عنها أو تباينت، فإنها تبقى التعبير الأبلغ عن حقيقة ما جرى، وخاصة ما قاله وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، بالإشارة إلى أن «الانتصار ليس بحاجة إلى شرح». وهي جملة توضح أن إسرائيل، بالتأكيد، لم تنتصر في حربها على قطاع غزة.
ويمكن البدء مما قاله معلق الشؤون الاستراتيجية في صحيفة «هآرتس»، أمير أورن، فهو ذكر أن نتنياهو سيبذل الآن جهدا ضخما ليعرض النتيجة على أنها نصر، «وإذا صدق نفسه، فسيكون بذلك الوحيد في جيله تقريبا». وأوضح أن «الهدوء لن يُرد عليه بالهدوء، بل بالكذب، وما جلبه نتنياهو ورفاقه على إسرائيل في مواجهة أقوى جيوش المنطقة لمنظمة فيها أقل من 15 ألف مقاتل، وعدد أقل من ذلك من القذائف الصاروخية، ليس مجرد انكسار فقط، بل هزيمة أيضا».
أورن طالب نتنياهو بأن يقدم كشف حساب، وأن يحاسب نفسه على برنامج العمل والأولويات، الذي حاول أن يمليه في السنوات الأخيرة، وخاصة الجنون في شأن إيران، الذي اجتذب مليارات الدولارات، «فلو أنه خصص لمستوطنتي نيريم وناحل عوز 1% مما خصصه لمفاعل نتانز لأصبح الإسرائيليون أكثر أمنا».
ووفق تقديره، فإن النظرية الأمنية لإسرائيل لم تخرج سالمة من المواجهة الأخيرة، بعدما اهتزت، «ما يفرض عملية فحص عميقة لهذه النظرية، وصولا إلى ترجمتها في إجراءات سياسية».
على نحو أقل تشاؤما، رأى المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن الحرب على غزة انتهت بـ«تعادل قاتم». مضيفا أنه مع إعلان وقف القتال، سُمعت في إسرائيل أصوات النحيب من اليمين واليسار. «فالشعور بخيبة الأمل مفهوم، بالنظر إلى فارق القدرات العسكرية والاقتصادية بين الطرفين، وحتى الآن يبدو أن الحرب لم تنته بانتصار أو هزيمة، بل بتعادل قاتم».
في المقابل، يذهب المحرر السياسي الرئيسي في «يديعوت أحرونوت»، ناحوم برنياع، إلى طريق أخرى، ليصف أن الخوف هو أن تكون إسرائيل قد مهدت الطريق للجولة التالية في لبنان أو غزة «بدلا من أن نمهد الطريق لإزالة التهديد من غزة»، أيضا قدّر أن رئيس السلطة، محمود عباس، هو المنتصر الحقيقي في الحرب، «فحماس نالت المجد في الشارع الفلسطيني، لكنه نال السيطرة على مسار إعمار غزة، وهو يحظى اليوم بمنزلة زعيم إيجابي وشريك ذي شرعية في العالم العربي والنظام الدولي، بل في نظر الرأي العام في إسرائيل أيضا. وربما كانت عملية الجرف الصامد هي الطبق الفضي الذي ستقوم فوقه دولة فلسطين».
ويرى برنياع أنه تبينت للإسرائيليين خلال هذه المرحلة عدة حقائق غير مريحة، «أولاها أنه برغم حرية العمل المطلقة للجيش الاسرائيلي في الجو والبحر، لم تكن هناك قدرة على هزم منظمة صغيرة نسبيا ومعزولة في العالم العربي، والثانية أن الحروب والحروب المحدودة أيضا تتطلب أثمانا لم يتوقع الجمهور دفعها، وهو لا يسارع إلى دفعها، والثالثة أنه تبين للإسرائيليين أنهم بلا حكومة».
في السياق نفسه، طالب معلق الشؤون العسكرية في «يديعوت»، أليكس فيشمان، نتنياهو، ووزير الحرب موشيه يعالون، ورئيس الأركان بني غانتس، بأن «ينظر الواحد منهم إلى الآخر، ويسألوا أنفسهم: كيف جُررنا إلى مواجهة استمرت 51 يوما ودفعنا أثمانا بشرية وسياسية واقتصادية وردعية بهذا الارتفاع؟».

التعادل جاء هذه المرة مع منظمة صغيرة توازي رُبع قوة حزب الله
وأكمل فيشمان تساؤلاته: «عليهم أن يسألوا أين أخطأنا: في الخطة العسكرية أم في الإدارة السياسية للمعركة وتنفيذها؟ أم ربما استخففنا ولم نقدر على نحو سليم قدرات العدو؟».
إلى صحيفة «إسرائيل اليوم»، حيث أشار معلق الشؤون العسكرية، يوآف ليمور، إلى وجود فجوة هائلة وغير قابلة للجسر بين الطريقة التي ينظر بها الجمهور الإسرائيلي نحو إنجازات «الجرف الصامد»، وتلك السائدة وسط القيادة السياسية والأمنية في تل أبيب. ولفت ليمور إلى أن «حماس» نجحت في أن تتسبب بالجنون لدولة كاملة طوال خمسين يوما، «كما شلت الحياة في الجنوب، ودفعت آلاف الأشخاص إلى الهرب من منازلهم، وزرع شعور غير مريح، مفاده بأن القوة الأقوى في المنطقة لم تنجح في التصدي لتنظيم صغير نسبيا، ويمتلك وسائل محدودة جدا، وهذه رسالة إشكالية في هذه المرحلة، التي يشهد فيها الشرق الأوسط تطرفا وجنونا».
وليس أخيرا، رأى المحلل السياسي في «معاريف»، بن كسبيت، أن ما جرى ليس انتصارا إسرائيليا، «فعلى المستوى الاستراتيجي يمكن الحديث عن فصل غير لطيف من الحرب الأخيرة، لأن إسرائيل اعتادت أن تلحق الهزيمة الاستراتيجية بأعدائها، لكن هذه الأيام ولت إلى غير رجعة، ولا يمكن لإسرائيل أن تسمح لنفسها بأن تخسر. فخسارتها الأولى ستكون الأخيرة».
المشكلة، كما يراها كسبيت، أن الإسرائيليين اعتادوا في الآونة الأخيرة تحقيق التعادل، «لكن التعادل جاء هذه المرة من منظمة صغيرة توازي قوتها ربع قوة حزب الله، وهي منظمة متحصنة في قطاع محاصر بعرض ثمانية كيلومترات». وأضاف: «تقاتلنا مع هذه الجماعة خمسين يوما، فيما الاقتصاد يتلقى الضربات، والسياحة تنهار، ومنطقة كاملة يخليها سكانها، وروتين الحياة تشوش في معظم مناطق الدولة... هذا ليس انتصارا». والخلاصة التي خرج بها كسبيت، أن حملة «عمود السحاب» كانت أرخص بكثير من «الجرف الصامد» و«الرصاص المصهور»، التي وفرت هدوءا أكثر، «لذا من المضحك التفكير الآن في أن بعضنا كانوا قبل سنتين مقتنعين بأن نتنياهو كان يعتزم مهاجمة إيران!».