التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب بين اسرائيل والمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أطلق صفارة الإنذار لبدء تسعير السجال في تل أبيب عن نتائج العدوان وما تحقق من إنجازات وإخفاقات. وكان لافتاً أمس زيادة منسوب الانتقادات لأداء الحكومة والجيش في إسرائيل، رغم توقع إعلان ثلاثي العدوان، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الجيش موشيه يعلون ورئيس الأركان بني غانتس، انتصاره المشكوك فيه.
في الدلالة على ذلك، عبّر الإعلام العبري، أمس، عن خيبة أمل كبيرة في موازاة تشكيك في تحقيق إنجازات توازن حجم الخسائر والأضرار التي تكبدتها إسرائيل. وأضيف إلى خيبة الأمل، تراجع حاد في مستوى رضا الجمهور عن أداء نتنياهو، إذ أظهرت استطلاعات الرأي تراجعاً إلى ما دون 38% بعد أن تخطى التأييد في بداية المعركة البرية نسبة 82%.
ميزان الربح والخسارة، وفرص التوصل إلى اتفاق جديد لوقف النار، وتداعيات هذا الاتفاق ودلالاته، كانت كلها موضع اهتمام واسع من كبار المعلقين والكتاب في الصحف العبرية. هنا أبدى معلق الشؤون الأمنية والعسكرية في صحيفة «هآرتس»، أمير أورن، أمله بالوصول إلى الاتفاق قبل إعلانه، واستند في ذلك إلى أن التنازلات المتبادلة ترضي إسرائيل والفصائل الفلسطينية، أو بصورة أدق، هي أفضل من استمرار الهجمات والتمسك بأهداف غير قابلة للتحقق.
وقال أورن إن إجراء حساب بارد للأثمان والإنجازات، مقارنة بالوضع الذي ساد في السابع من تموز (عشية العملية العسكرية في غزة) سيظهر أن إسرائيل خسرت أكثر. فهي حصلت على إعادة الوضع إلى ما كان عليه من دون تحقيق أي مكسب، ودفعت 68 قتيلاً ومئات الجرحى وآلاف المشردين من بيوتهم. في المقابل، فإن الفلسطينيين نزفوا دماً أكثر، لكن بعد مرور أقل من شهرين من النار يستطيعون التلويح بتحسن وضعهم، وهذا هو هدفهم من «الخطوة العنفية» التي لجؤوا إليها.
كذلك أشار المعلق في «هآرتس» إلى أنه إضافة إلى القتلى والجرحى الإسرائيليين، نجحت الفصائل الفلسطينية في تشويش الحياة داخل إسرائيل في عدة مجالات: التعليق الجزئي لعمل مطار بن غوريون، وإلغاء افتتاح دوري الدرجة الأولى في كرة القدم، والتهديد بتأجيل افتتاح العام الدراسي، وإفراغ المستوطنات القريبة من السياج من سكانها مؤقتاً، وردع وزير الأمن عن زيارة مستوطنة «ناحل عوز».
في السياق نفسه، وتحت عنوان «خمسون يوماً من الهجمات والاستنزاف والأسئلة»، كتب معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «إسرائيل اليوم»، يوآف ليمور، قائلاً إن عملية «الجرف الصامد» عندما أنهت يومها الخمسين، كانت إسرائيل منقسمة إلى معسكرين: أولئك الذين يعتقدون أن العملية كانت نجاحاً مثيراً ستتضح إنجازاتها عندما ينجلي غبار الحرب، وهناك الواثقون بأنها كانت تفويتاً مدوياً للفرصة وستكلف إسرائيل مزيداً من الأثمان الباهظة.

نجحت المقاومة في تشويش الحياة داخل إسرائيل في عدة مجالات

ليمور أضاف أن إلقاء نظرة واعية على الأمور يُظهر الصورة الآتية: «لا خلاف على أن حماس تلقت ضربة قاسية ربما لا سابق لها، لكنها نجحت في جر إسرائيل إلى معركة طويلة مع تكلفة باهظة بالدم والمال، ومثيرة للإحباط ولا تحمل معها أي حسم واضح، وهذا الأهم»، مضيفاً: «في المعركة وجدت إسرائيل أن معظم أراضيها وسكانها كانوا عرضة لهجمات صاروخية لا تنتهي، وأدت في الأيام الأخيرة إلى تآكل خطير في قدرة الصمود لدى سكان غلاف غزة». وهذا الواقع ينبع، وفق رأيه، من أن «حماس» هي التي تحدد قواعد اللعبة، «فبإرادتها يبدأ إطلاق النار وبإرادتها أيضاً يتوقف».
وذهب معلق الشؤون العسكرية في الصحيفة إلى أبعد من ذلك، إذ تحدث عن اتفاق وقف النار نفسه، مفسراً أن العبرة في النتيجة، «فإذا استؤنف إطلاق النار سريعاً (بعد مدة قصيرة) فسيجري النظر إلى عملية الجرف الصلب على أنها إخفاق، أما إذا ساد الهدوء فترة طويلة، وترافق ذلك مع مساع لمنع التسلح الفعال للفصائل الفلسطينية، فعندها سيكون ممكناً الحديث عنها بمفاهيم النجاح».
على نحو واضح، كتب يوسي يهوشوع في «يديعوت أحرونوت»، مؤكداً أن خمسين يوماً من القصف والاغتيال والقتل ضد غزة لم يدفعها إلى رفع الراية البيضاء. وغمز الكاتب قناة الحكومة والجيش «اللذين تعهدا للجمهور بمعركة قصيرة وسريعة لا يكون هناك في نهايتها أدنى شك بهوية المنتصر، لكن ما حدث أنه بعد أكثر من شهر ونصف، لا يبدو أن المعركة انتهت كما أريد لها». ووجه يهوشوع سؤالاً محرجاً إلى الجيش الإسرائيلي: «إذا كان هناك بين الضباط من قدّر أن القتال سيستمر طوال هذه المدة الطويلة، فليقف ويرفع يده».
ووفق رأيه، إن مرور خمسين يوماً على بدء القتال، «مدة جيدة لفحص الإنجازات والإخفاقات، وهي كافية لاستيضاح ما الذي حلّ بإسرائيل في مواجهة الخصم الذي يفترض أنه الأسهل في المنطقة، وأيضاً فحص ما الذي جرى حتى انجر الجيش إلى حرب استنزاف، وللتفكير في الأسباب التي جعلت إسرائيل تخسر مستوطنات الجنوب».