لا تشعر قواعد المعلمين والموظفين اليوم بالانكسار. يبدو معظم هؤلاء مقتنعين بأن خسارة جولة لا تعني خسارة المعركة، وباتت هناك حاجة وطنية ماسة لمتابعة المسيرة من المكان الذي وصلت إليه وبأدوات نقابية أكثر صلابة وبقيادة موحدة تكون أمينة لتطلعات الناس التي سارت وراء هيئة التنسيق النقابية، وآمنت بمشروعها.
هم مرتاحون لقرار الاستمرار في مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية لسبب بسيط هو أنّ الجولة الأخيرة حسمت مبدأ أن «النقابات ليست جمعية خيرية لتبدي استعداداً دائماً للتراجع عن الحقوق»، وأنّ عنوان المعركة كان «الحفاظ على الوجود وحماية هيئة التنسيق» في مواجهة حصار سياسي تمثل في عدم تحديد جلسة للمجلس النيابي لإقرار سلسلة الرواتب، وبالتالي عدم إعطاء أي ضمانة في ما يخص الحقوق في السلسلة وإعطاء نسبة زيادة واحدة لكل القطاعات. وتشير اوساط الهيئة الى ان مطالبتها بالتراجع تزامنت مع التهويل باقرار سلسلة مشوّهة وزيادة الـTVA وتعرفة الكهرباء، وجرى توفير التغطية السياسية الشاملة من الحكومة التي أوصت بالإفادات بدلاً من أن توصي بإقرار السلسلة على قاعدة الحكم استمرار، وتزامنت ايضا مع الهجوم المستشرس لوزير التربية لخرق مقاطعة التصحيح. برأي القواعد، من يضرب حقوق المعلمين ويفرّط بالشهادة الرسمية، سواء من وزير التربية، أو أي من القوى السياسية، يتحمل هو المسؤولية لا هيئة التنسيق.
قيادة الهيئة ستعود إلى القواعد لوضعهم على السكة من جديد. الموعد سيكون الأول من أيلول المقبل، تاريخ بدء أعمال التسجيل في المدارس والثانويات الرسمية، حيث ستضع الهيئة تقويماً وخلاصات واستنتاجات بين أيدي المعلمين والأساتذة لمناقشتها والخروج بمقترحات لمواصلة التحرك.

اتفاق السنيورة ـ بري ضرب الحقوق التي
لم يضمنها احد
ومع ذلك، فإنّ الجلسة التشريعية الأولى يجب ألا تمر، بحسب رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب من دون تنفيذ خطوة تصعيدية سيتفق عليها ضمن هيئة التنسيق، إلاّ أن غريب يصر على التأكيد أن العام الدراسي سيبدأ طبيعياً «ولسنا مستعدين لأن نضيّع على طلابنا يوماً واحداً». ويقول إن الرابطة ستحافظ على الحقوق المكتسبة لأساتذة التعليم الثانوي الرسمي، وستضغط باتجاه إجراء مباراة لمجلس الخدمة المدنية مقرونة بحل مشكلة المتعاقدين الذين تجاوزوا السن القانونية بمشروع قانون استثنائي، ولا سيما أن الملاك التعليمي يحتاج إلى 1800 أستاذ. يركز غريب على ضرورة أن تصلّب الهيئة أدوات العمل النقابي لتثبت إنجازاتها المعنوية طيلة 3 سنوات. برأيه، «لا يكون ذلك إلاّ بتحصين الجبهة الداخلية التنظيمية، كأن ترتقي هيئة التنسيق بتحركها من عمل تنسيقي إلى عمل نقابي اتحادي لموظفي القطاع العام، فتتحول إلى مؤسسة بقيادة واحدة». وبالنسبة إلى موظفي الإدارة العامة، سيشهد هذا الأسبوع زيارات ستقوم بها الرابطة إلى الوزارات والإدارات العامة للوقوف عند هواجسها وتطلعاتها.
وفي قراءتها لتجربة سلسلة الرواتب، ستسعى هيئة التنسيق إلى التوضيح لجمهورها أنّ معركتها الأخيرة لم تكن مفصولة عن المشروع الذي تحمله المؤسسات المالية الدولية، وهو خصخصة القطاع العام وتصفية ما بقي من دولة الرعاية الاجتماعية، بدليل اعتراف المعنيين في اللجان النيابية التي درست السلسلة بأن المسألة تتجاوز الأرقام إلى الخيارات، والنظر إلى دور الدولة ووظيفتها. يتجلى الأمر، بحسب الهيئة، بضرب مفهوم السلسلة الواحدة وكسر الترابط بين رواتب موظفي القطاع العام، من خلال رفض إعطاء نسبة زيادة واحدة للجميع وضرب الحقوق المكتسبة للأساتذة والمعلمين التي حققوها بنضالاتهم طيلة 50 عاماً وعبر قوانين نافذة. كذلك فإن استسهال إعطاء الإفادة يعكس بوضوح الهجمة على التعليم الرسمي وعدم الاستثمار فيه، إذ تراجعت موازنته من 22 % قبل الحرب اللبنانية، إلى 6 % اليوم، باعتباره قطاعاً غير منتج، تمهيداً لخصخصة الامتحانات بتلزيمها لشركة خاصة، وهو مشروع يسير بخطى حثيثة، بحسب ما يقول نقابيون.
أما الوجه الأخطر للمشروع، بالنسبة إلى هيئة التنسيق، فهو تغليب نظام التعاقد الوظيفي على نظام ديمومة العمل والسير في إضعاف الأول لمصلحة الثاني، من هنا التركيز على وقف التوظيف ليستمر التعاقد بقوة الأمر الواقع، وعدم تنظيم المباريات المفتوحة لتأمين الكوادر الكفوءة للتعليم الرسمي.
ستتطرق الهيئة في نقاشاتها مع المعلمين والموظفين إلى البعد الوطني لحراك هيئة التنسيق ببناء الوحدة الوطنية بديلاً للانقسامات الطائفية. ستقول لهم إنّه بعد 3 سنوات من التحرك، ثمة اتفاق حصل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة يضرب في سقوفه العليا الحقوق «إذ لم نجد مسؤولاً واحداً يضمن هذه الحقوق من كل الكتل النيابية التي التقيناها في الزيارات الأخيرة، ولم يعد المعلمون إلى التصحيح إلاّ لأنّهم شعروا بجذرية مشروع اقتلاع الحقوق فرفضوا شطب تاريخ من النضال، وتوصلوا إلى حقيقة أنه ليس هناك شيء يخسرونه، ما جعلهم يواجهون قياداتهم الحزبية وكتلهم السياسية».
إلا أن المعلمين لم يستطيعوا أن يغيروا قرارات أحزابهم لا في السلسلة ولا في غيرها من المشاريع، لكون الفضيحة الكبرى أتت بالتكافل والتضامن بين كل القوى السياسية، وأخذ القرار مجتمعاً بضرب تحرك هيئة التنسيق وإعطاء إفادة بدلاً من السلسلة. وتكررت المحاولات لسحب ورقة المقاطعة تارة عبر إشراك المكاتب التربوية للأحزاب وطوراً عبر الحملات الإعلامية لتأديب العمل النقابي.