هل توجد ظاهرة خاصة بالنقابيين الحزبيين المتمايزين عن أحزابهم في هيئة التنسيق النقابية؟ منذ أفول الحركة النقابية العمالية في تسعينيات القرن الماضي، لم يشهد لبنان تجربة عمالية جديدة إلا من خلال نشاط هيئة التنسيق النقابية. مواقف القوى السياسية من هذه التجربة يصعب فهمها بسهولة.

ففي وقت تبارت فيه جميعها إعلانَ التأييد لحق المعلمين والموظفين بتصحيح سلسلة رواتبهم، سعت القوى نفسها، طوال السنوات الثلاث الماضية، إلى السيطرة على الهيئة وإجهاض قرارها النقابي المستقل من خلال مواقفها السلبية المعلنة في الحكومة والمجلس النيابي وتحرّكها في اتجاهات معاكسة للهيئة عبر المكاتب التربوية الحزبية واتحاد المؤسسات التربوية الخاصة.
هناك من يشير إلى أن الحزبيين في هيئة التنسيق أظهروا تمايزاً ملحوظاً عن مواقف أحزابهم. فهل هذا الأمر دقيق فعلاً؟ ثمة سجال يثيره السؤال: القوى السياسية لم تحسب حساب قواعدها في القطاع العام، بل الذي ثبت أنّ هذه القوى، في المراحل الأخيرة، أمسكت بالقرار النقابي عبر ممثليها الذين ضغطوا من أجل ربط قرار الهيئة بقرار الأحزاب. ما يعني أن التمايز الفعلي، ولو كان محدوداً، أتى من قواعد الأساتذة المؤيدين للأحزاب (أي غير الممثلين لأحزابهم). هؤلاء وجدوا أنفسهم في لحظة من اللحظات غير معنيين بالكباش السياسي الدائر في البلد، ولم يفهموا لماذا وقفت أحزابهم ضد مصالحهم، وخصوصاً أنهم لا يطالبون إلا بحق بسيط هو سلسلة الرواتب، فكيف إذا كان المطلب تغيير النظام مثلاً؟

الحزبيون في
هيئة التنسيق أظهروا تمايزاً ملحوظاً عن مواقف أحزابهم

21 آذار 2013، تاريخ يشهد على هذا التمايز. يومها لم تمتثل قواعد إحدى القوى السياسية المؤثرة لقرار مكتبهم التربوي بإجهاض تظاهرة القصر الجمهوري آنذاك. أتوا بأعداد كبيرة، ولا سيما في باصات قادمة من مناطق الجنوب، متجاوزين رسالة نصية «متأخرة» تدعوهم إلى الاستعاضة عن التظاهرة بالجمعيات العمومية في الثانويات والمدارس. قال مناصروها يومها إنّهم غلّبوا المصلحة النقابية «لأننا مش ولاد صغار ليلعبوا فينا بالطابة». وأكدوا أنّ «ما فعلناه سيكون درساً لأي قوة سياسية لا تزال تفكر بجر جماعتها كالأغنام إلى المكان الذي تريده وبما يتناقض مع مصالحهم المطلبية».
حصل اختبار آخر في الفترة الأخيرة، إذ صوّتت الأكثرية في الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين مع مواصلة هيئة التنسيق النقابية لمقاطعة تصحيح الامتحانات. حصل ذلك على الرغم من إعلان المكاتب التربوية لأحزاب السلطة عن اتفاق مع وزير التربية للعودة عن قرار مقاطعة التصحيح.
يقول ناشطون في قوة سياسية مؤثرة أخرى أعلن أحد أقطابها السياسيين معارضته الواضحة للسلسلة: «نحن غاطسون في المعركة، ولا نستطيع إلا أن نعزل الخلاف السياسي عن حقوقنا، ونحن لم نتراجع عن مطالبنا قيد أنملة». يذكّرون بالمواقف التي اتخذوها في المحطات النقابية السابقة، ولا سيما التحرك الذي قادته رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، منذ سنوات، للمطالبة باستعادة الـ60% لقاء الزيادة في ساعات العمل (7 درجات). يومها، وقفوا، آنذاك، كما يقولون، «في وجه وزير التربية المحسوب على تيارهم السياسي».
ليس من السهل قياس مواقف الحزبيين الناشطين في حراك هيئة التنسيق النقابية، فالموقف ضمن الحزب الواحد يبدو غير محسوم. وهذا ما بدا بوضوح في مجالس المندوبين والجمعيات العمومية الأخيرة، فقد ظهرت اختلافات داخل الحزب الواحد في مقاربة ورقة مقاطعة التصحيح. ومع أنّ الأوامر الحزبية قضت بالعودة عن قرار مقاطعة التصحيح، لم يجد كثيرون من الناشطين الحزبيين هذا القرار صائباً، وخصوصاً أنّ «السلطة السياسية لم تقدم لنا أي جديد في ما يخص الحقوق في السلسلة يمكن البناء عليه وتسجيل هذا التراجع النقابي». وقد رجحت أصوات العديد من الحزبيين الخيار النقابي، رغم وجود قرار مسبق بإعطاء الإفادات. أبدى بعضهم حرصاً على عدم المسّ بوحدة هيئة التنسيق، حتى لو كان ميّالاً إلى تنفيذ قرار حزبه، وقال احدهم: «إننا نختلف مع أحزابنا في تقدير هذه الخطوة، فبالنسبة إلى الأحزاب الأفق السياسي مسدود ولا يجوز استبدال الشهادة الرسمية بإفادة نجاح، وبالنسبة إلينا هناك كرامات ناس يعانون منذ 3 سنوات ومن غير المسموح الاختلاف على مصالحهم ولقمة عيشهم، فهيئة التنسيق لا تتحمل مسؤولية إصدار الإفادة، على الرغم من مرارة هذا القرار، وقد أثبتنا أننا لم نهزم وبقينا على موقعنا». وقال آخر: «بتنا ملوعين ومن حقنا أن نخاف». وأضاف: «كمندوبين أخذنا موقفنا الثابت من المقاطعة لكون السلطة أدارت لنا الأذن الطرشاء، ولا يمكن إلا أن نكون إلى جانب زملائنا المعلمين».