فكرة أولى يفرضها واجب الرد على بعض الواقعيين من مدّعي تقديم الحلول، لمواجهة الإسلاموية الداعشية ومشتقاتها. لقد ثبت بدليل الدمع والدم والهزيمة والهجرة، أن الذمية السياسية لا تنفع ولا تجدي في مواجهة ذلك الهواء الأصفر الجديد، كما سمّاه وليد جنبلاط.
فكيف وقد تحصن جينياً ضد اللقاحات البائدة، بعدما صارت الإسلاموية الداعشية تموضعاً وظيفياً مثمراً جداً وضرورياً للمثلث الصهيوني العنصري ـــ الإسلاموي السياسي ـــ الغربي المصالحي؟ هكذا سقطت كل المحاولات الاستيعابية وكل الأطر الاحتوائية وانتهت صلاحيتها وفاعليتها وجدواها. لا «العروبة جسم روحه الإسلام» نجحت، ولا «كلنا مسلمون، منّا من أسلم بالإنجيل...»، نجعت. يكفي أن صاحب الأولى، ميشال عفلق، مات وقد أشهر إسلامه، بعد أن كان أميت مرات، فيما صاحب الثانية، أنطون سعاده، يُعدم كل يوم في كل «قطر» من سورياه، بينما «متحداته» مفككة متذررة في حروب لا قعر لها ولا درك. ولا علاقة طبعاً وقطعاً لكل تلك المآسي بلبنان، لكي يحمَّل اللبنانيون أو المسيحيون أو الموارنة أي ذنب من مآسي الإسلاموية. هذه هلوسة، تماماً كما القول إن قتال حزب الله في القصير جاء بداعش إلى عرسال، أو أن يبرود جرَّت مذبحة الموصل، أو حتى ان 7 أيار برّرت مجزرة حلبا، على قياس أصغر عددياً، ثابت إنسانياً في المطلق الحقوقي البشري. أصلاً، كل المأساة التي نعيش تنبثق من سقوط ثابتة مفادها أنه لو ظل «إنسان مختلف» واحد، «شخص آخر» وحيد، في أي نظام من أنظمة هذا الشرق الظلامي البائس، يظل له وحده كل الحق في الحياة وفي الحرية وفي الكرامة وفي كل حقوقه الإنسانية الطبيعية الأصيلة، غير القابلة للتنازل عنها أو تجزئتها. وهذا ما لم يكن يوماً، بمعزل عن زجليات العيش المشترك ونفاق ثنائيات الإنجيل والقرآن والقباب والمآذن. حتى ولو انتحر كل موارنة لبنان، في السياسة أو الدور أو الوجود، تظل جريمة مطلقة أن يُتخذ انتحارهم المزعوم ذريعة أو حجة لتبرير كل تلك المسوخات الأنظماتية، من الرياض إلى الخرطوم. لا بل، الكل يعرف ويعترف، كل اللبنانيين أولاً، وسواهم من بعدهم كذلك، أن لبنان كان ولا يزال مشروع الحرية الوحيد في المنطقة. وهذا تحديداً ما كان بعض أسباب استهدافه...
لكل ذلك، يجب القول إن زمن الذمية السياسية قد ولّى، وإن أي شكل من أشكال استمرارها جريمة جماعية في الزمن الراهن. وموت تلك الذمية يجب أن يعلن، وأن تدفن، وذلك لا يكون إلا بفجور سياسي. فجور لا يقبل النفاق السياسي ولا الزيف الإعلامي. فجور يفرض مثلاً، مجرد مثل، أن تقول لنظام العائلة السعودية إنكم أنتم النموذج الأصل لكل داعشيات العصر. وبكل موضوعية، تعالوا نضع جدولاً مقارناً بين نظامكم ونظام البغدادي: الكنائس؟ وجود الآخر؟ الأحكام الوحشية من قطع الرأس إلى الجلد والرجم؟ الانتخابات والشرعية المنبثقة من الشعب؟ ما الفرق بين الاثنين؟ لا شيء. بضع مجمعات تجارية وأرقام أرصدة خيالية؟ ترى لهذا لا تفهمون معنى أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان! كل ما بينكم مشترك متطابق. فأنتم كنتم البداية، وهم سيكونون حتماً النهاية.
ودفن الذمية أيضاً يفرض رفع الصوت في وجه كل تيوقراطيات هذا الزمن. أنتم تخترعون آلهة لتبرير سلطات غير شرعية تقضي على البشر. وكل شرائعكم من نوع اللاهوت السياسي التسويغي، فيما المطلوب الآن لاهوت تحرر، من نوع الله المتجسد في الفقير لا في الغني، في المحكوم لا في الحاكم، في خشب البيوت والقلوب المن ذهب، لا في ذهب القصور والضمائر المن خشب وحجر، في المظلوم لا في القوي، في الطفل والمريض والمعوز والمعدم والمقهور... هؤلاء هم الله اليوم وكل يوم، فيما كل شرعياتكم الإلهية اغتصابات غير شرعية.
فكرة ثانية تقفز إلى وجدانك، تضج في عصبك ووعيك وإرادتك، وأنت تستمع إلى أخبار «داعش» مع المرأة. أخبار السبايا والجواري والرق الأبيض والاعتداءات الجنسية. تستعيد تلك المفارقة أنه حتى الاعتداء الجنسي لا مفردة تصفه في اللغة العربية. لم يجهد رجال هذه المنطقة وهذه اللغة منذ ألفيات عدة، ليخترعوا كلمة تحفظ حق المرأة في أن تكون امرأة أولاً. اكتفوا بكلمة كانت عندهم من قبل، استقوها من ذاكرتهم الذكورية، من تخلف مجتمعاتهم البطريركية. قالوا «اغتصاب»، أي إنه حين يعتدى على المرأة جنسياً، كمن يسرق من رجالها «شيئاً». كمن يستولي على ملكية هي للرجل، لا للمرأة. لم يفكر العرب بعد في أن المرأة إنسان. وهذا تماماً ما تجسده «داعش» وتطبّقه. تتساءل: لماذا كل هذا العداء ضد المرأة؟ لماذا كل هذا الحقد وهذه الكراهية؟ قبل أن تكتشف السبب: لأنها الجمال الذي يفضح بشاعتهم. لأنها الطهارة التي تكشف دنسهم. لأنها الحب والحياة والخلق، في مواجهة كل ما هم عليه وفيه، من مقت وموت ووأد... لكل ذلك هم أعداؤها. ولكل ذلك هي وسيلة المواجهة الأولى. ليست مصادفة أن كل ثورتهم تخشى من وجه امرأة، وأن كل دولتهم وخلافتهم ترتعبان من ثغر، من عينين، فكيف بصورة نهد كما صار وتكرر. ولكل ذلك، هي المرأة المدخل الأول والأساسي والإلزامي للتغيير في هذا الشرق البائس. ارفعوا غلالاتكم عنها. أسقطوا نقابكم عن عقول شعوب برمتها. سيدتي، أنت الحل والخلاص والملاذ. وجهك الملائكي يبيدهم، كما يُقتل مصاصو الدماء. اخلعي عن عيوننا وقلوبنا وعقولنا سوادهم وسوداوياتهم. أعيدي البياض إلى شرقنا. لا تتركينا نباد «داعشياً». قبل أن تسقطي وتسبى حياتنا، ارفعي صوتك وعينيك ووجهك وقبضتك وكل ما فيك. فأنت السلاح الأخير والأمضى. لا يحق لك الصمت بعد اليوم، ولا في أي يوم.
4 تعليق
التعليقات
-
لن نصمت ولكن ..استاذ جان كلماتك تعبر عن حرقتك لما يحدث من انتهاكات إنسانيه وبالأخص في ما يتعلق بالنساء في هذا الزمن الداعشي الأسود . لكنني أسالك اي ضمير تخاطب ؟ في لبنان وغيرها من البلدان العربيه لا يوجد حتي قانون يحمي النساء من العنف الأسري وغيره. في لبنان ما زالوا يتظاهرون للمطالبه بحق الحماية التي هي من البديهيات والمفروض ان تكون من المقدسات. لن نصمت ولكن هل من يسمع او يكترث في بلاد الهمجية والعنصريه كلبنان وغيره ؟؟؟ اقترح علينا ما يمكن عمله وسأكون معك في الصف الأمامي . مع تقديري لانسانيتك
-
عدة اسئلة للاستاذ جانهل ما حصل في العراق من تمدد لداعش كان مدروساً و مخططاً له من قبل تركيا السعودية قطر و امريكا و الغرب؟ هل كان ذللك لعدة اهداف ؟ هل داعش هي تشكيلة من الجيش التركي الباكستاني السعودي الاردني تحت اشراف خبراء الناتو من الغرب اوروبا واسرائيل و امريكا مع تشكيلة من الارهابيين المسلميين والوهابيين من العرب وكل انحاء العالم للتغطية على التشكيلة الاولى من جيوش الناتو؟ هل ما حصل في العراق كان لا اكثر من مسرحية اخرجت لانهم يريدون تسليح هذا الجيش الناتوي باسلحة متطورة ثقيلة تحت خديعة الاسيلاء عليها من الجيش العراقي وكل ذللك للتغطية على مرحلة الهجوم التاية بالاسلحة الثقيلة على سورية؟ هل كان مبرمجاً لاسقاط المالكي لانه تلاكئ في تسهيل امتيازات للقواعد العسكرية الامريكية و ذهب ليتعاقد مع روسية لتسليح الجيش العراقي؟ هل كان ما حصل في العراق مبرمجاً لاخراج تمثيلية تسليح داعش باحدث الاسلحة الغربية و الامريكية الثقيلة و المتطورة من اجل استخدامها ضد سورية والجيش السوري؟ هل كل ما حصل في العراق من تسليح لداعش لاجل هجوم اعنف على سورية بالاسلحة الثقيلة؟
-
لا فض فوك .لا فض فوك .
-
رغم أنَّني أنتشي وأنا أقرأوأنا أقرأ مقالاتك .. لأنه الأنصع .. والأكثر بياضاً .. في هذا الزمن الدَّاعشي المٰسوَّد .. إلَّا أنَّني أخشى عليك من صراحتك .. ودقة نظرتك الشُّموليَّة للأمور .. ومن عُمق فهمك للما جرى ويجري وسيجري .. فمَن تكتبُ عنهم أقزمُ من فهم مفرداتك .. ناهيك عن معاني تحليلاتك .. فأخشى أن تضيق صدورهم .. الضَّيقةُ أصلاً .. فينالوا منك بأذى .. احترز .. أيها القلم الحر .. وأيُّها الضَّميرُ الحاضر لا الغائب .. من جُهَّال العصر .. الذين تملَّكوا لجهلهم .. مقدَّرات المنطقة الماليَّة ..