رغم مرور ثلاثة أشهر على إصداره، لم يهدأ الجدل الذي أثاره مرسوم منح الجنسية اللبنانية لـ644 شخصاً ينتمون إلى 31 جنسية عربية وأجنبية، وعدد من مكتومي القيد وأصحاب الجنسية قيد الدرس. الاعتراضات التي أثارها مرسوم الرئيس السابق ميشال سليمان، مستمرة، وآخرها طلب تدخل لدى الدولة، ممثلة بهيئة القضايا، تقدم به رئيس مركز حمورابي للدراسات والأبحاث القانونية إبراهيم عواضة، لإبطال مرسوم التجنيس. واستناداً إلى المادة 83 من قانون تنظيم مجلس شورى الدولة التي تنص على حق كل ذي مصلحة في أن يتدخل، أرفق طلبه بالطعن الذي كان قد تقدم به قبل ثلاثة أشهر لإبطال المرسوم.
في مراجعته، عرض عواضة المستفيدين من المرسوم، ليتبيّن أن «بعضهم لا يعرف لبنان أصلاً». وأبرز ما في استدعاء المركز المذكور، ليس مطالبته الدولة بوقف تنفيذ المرسوم فحسب، بل دعوة النيابة العامة التمييزية إلى الأخذ في الاعتبار أن أحكاماً قضائية سبق أن أثبتت أن بعض من استفادوا من المرسوم كانوا يحملون سابقاً الجنسية اللبنانية، لكنها أسقطت عنهم بسبب تزوير وثائق ثبوتية أدت إلى حصولهم على الجنسية.
فإذا كان سليمان قد جنّس هؤلاء نيابة عن الشعب اللبناني، فإن الغرفة الثانية في محكمة الدرجة الأولى في البقاع، سبقته في الحكم وباسم الشعب اللبناني أيضاً، عام 2011، لتثبت قرارات إدارية وتحقيقات أمنية تعود إلى تسعينيات القرن الماضي، تُظهر، مثلاً، أن أبناء جورج ج. وأحفاده، مشطوبون من قيود الأحوال الشخصية اللبنانية عام 1995، لأن الوثائق المستخدمة لحصولهم على الجنسية كانت مزورة. وهؤلاء على الأقل 15 شخصاً استفادوا من مرسوم التجنيس، بصفتهم إما مكتومي القيد أو يحملون الجنسية الكندية. فهم كانوا قد تقدموا أمام القضاء عام 1998 باعتراض على قيام مديرية الأحوال الشخصية بشطب قيودهم بعد انتقال الجنسية اللبنانية إليهم من والدهم الذي حصل عليها بعد زواجه بوالدتهم من زحلة، في الخمسينيات، قبل أن يتوفى في عام 1958. لكن بعد التدقيق والمذاكرة، واستناداً إلى تحقيق أجراه الأمن العام في عام 1998، تبيّن للمحكمة أن الوالد المبرز اسمه جورج عيسى ج. هو السوري جورج ر. «تمكن بعد أحداث عام 1958 من إضافة اسمه تزويراً في سجل بلدة رأس بعلبك، كما أن زوجته سورية أيضاً اسمها الحقيقي حياة غالب أ. وليس رفقة سليم و.، وكلاهما من بلدة تبنة السورية. وسجل على خانته بموجب حكم صادر عن القاضي المنفرد المدني في زحلة في عام 1970، عشرة أولاد، علماً بأن أحدهم هو شقيقه لكن سجله كابنه، فيما ابنه الآخر، هو في الحقيقة ابن شقيقه».
ويشير الحكم إلى أن قيود هؤلاء المدوّنة في سجل الراسية الفوقا في زحلة، شطبت بموجب قرار صادر عن المدير العام للأحوال الشخصية عام 1995، بعد إجراء التحقيق وموافقة وزير الداخلية باعتبار قيود هذه العائلة قيوداً مزورة أدرجت دون وجه حق.
قبل ذلك بعام واحد، ضبطت مفرزة زحلة القضائية تزويراً في الأوراق الثبوتية قام به عيسى جورج ج. ليتبيّن أنه في الحقيقة السوري عيسى ممدوح ر. «ذهب إلى سوريا في عام 1982 واستبدل هويته السورية بأخرى من الطراز الجديد».
وتبيّن، أيضاً، أن المزورين انتحلوا صفة وأضافوا قيودهم إلى عائلتين لبنانيتين تملكان قيوداً في رأس بعلبك، وأن اسم جورج ج. أضيف إلى قيد عائد لعيسى ج. الذي له ولدان فقط.
الحكم القضائي الذي ثبّت هذه الوقائع صدر عام 2011. ومن غير المعلوم ما إذا كان سيغيّر شيئاً في مسار مرسوم التجنيس الذي أصدره الرئيس السابق للجمهورية يوم 19 أيار 2014، والذي كان في جزء كبير منه عبارة عن «تنفيعة» لأشخاص لا مبرر لحصولهم على الجنسية اللبنانية.