اللافتة أول إهدن تشير إلى «قصر معوض». البوابة الحديدية أمام القصر مفتوحة، والباب مشرّع لاستقبال المصطافين. لكن أعداد الزوّار في الداخل التي لا تتخطى أصابع اليد الواحدة، لا توحي بأن رئيساً للجمهورية وزعيماً مناطقياً كان يعيش هنا.
يجلس المستشار الإعلامي لرئيس حركة الاستقلال، ميشال معوض، المسؤول القواتي السابق طوني أبي نجم، مع رَجلين. تستوضح منه «أين الزلم؟»، فيقول إن «الاستقبالات عادة تجري في الطابق الأرضي. لكنه يخضع لعملية إعادة تأهيل حالياً». القصر يطلّ على حيّ آل معوض في المصيف الزغرتاوي. يعود تشييده إلى أيام «جدّ جدّ» ميشال. الجدران عالية، والأثاث قديم. أهل القصر وزوّاره يتحدثون بنبرة عالية: «نتحدى أن يتهمنا أحد بهدر المال العام. هذا هو البيت الوحيد الذي لم يسرق». الاتهامات أساساً تتركز على الوزير جبران باسيل. نائبة زغرتا السابقة، نايلة معوّض، لا تكون في القصر حتى بعد الظهر، «لحين إنهائها واجباتها الاجتماعية». فقد اتفقت مع نجلها على أن تتولى هي هذا الشق «بسبب التهديدات الأمنية التي أتلقاها بين فترة وأخرى»، كما يقول معوض.
الحديث مع معوض يبدأ من الحيثية في زغرتا، التي يصرّ على أنه «يتصدرها شعبياً»، إذا ما استثنينا مدينة زغرتا، «أما الوزير السابق سليمان فرنجية، ففي المركز الثالث». يستند في كلامه إلى نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة، التي خسر فيها بفارق 922 صوتاً، بعد أن وصلت الترجيحات إلى فارق يصل إلى خمسة آلاف صوت. إلا أنه يغفل عن ذكر الانتخابات البلدية التي رسخت قوة فرنجية المحلية عام 2010، بعد أن فاز بـ 25 بلدية من أصل 31. من أسباب خسارته الانتخابات النيابية، «تسوية عقدها حلفائي على حسابي لتعويم فرنجية. فقد كانت نسبة أصوات السنة التي حصدتها الأدنى منذ أن بدأ الوالد العمل السياسي»، لـ«أكتشف بعدها أن السبب كان تسوية السين ــــ السين بين السعودية وسوريا». ويضيف إلى «خيانة» الحليف، «ألاعيب وزير الداخلية في حينه زياد بارود الذي عمل على إلغاء نحو 450 صوتاً وتعطيل انتخاب المغتربين الزغرتاويين». يصرّ معوض على أنه «رغم النفوذ السوري على مدى ثلاثين عاماً، احتلت الست نايلة المرتبة الأولى في انتخابات عامي 1992 و1996». وبعيداً عن العلاقات التي ربطت العائلة برجالات «العصر السوري» في لبنان، يؤكد ميشال أن «الست» ــ التي كانت «ركناً من أركان» المجلس النيابي في عهد الوصاية السورية، والتي لم تفز (هي أو ابنها) بالانتخابات إلا في ظل الوجود السوري أو ببركة قانون غازي كنعان ـــ تعرضت «لحملة من الاحتلال السوري لإسقاطها في انتخابات 2000، لكنها رغم ذلك نجحت». كانت «الست نايلة»، كما يناديها ابنها، «من معارضي الداخل، وهي التي أطلقت عام 1997 عنوان الانقلاب على اتفاق الطائف».
لا ينكر معوّض أنه في عام 2000 التقى رئيس فرع الأمن والاستطلاع السوري في لبنان، اللواء غازي كنعان، ثلاث مرات. لكن هذه الاجتماعات كانت على ما يبدو، كما فوز «الست نايلة» بالانتخابات، في إطار «نضالي». إذ يقول معوض: «هذه الاجتماعات أدت إلى تهديدي بالمباشر بعدما رفضت التحالف مع فرنجية، الأمر الذي اعتبره كنعان استفزازاً للنظام السوري». حالياً، «تراجُعنا انتخابي لا سياسي، مقابل تقدم لاسم فرنجية وتراجع لائحته وقدرته التجييرية. ولكن نحن في حاجة إلى انتخابات لنزين قوة كل طرف». ما ينقص آل معوض هو «الخدمات ومناخ سياسي عام يكون لمصلحتنا»، على حد قوله، متجاهلاً أن «الخدمات» كانت في يد فريقه حصراً بين عامي 2005 و2009، وجزئياً بعد ذلك. قوة فرنجية تكمن «في الحلف العائلي الذي نسجه، ووجوده المؤثر في المدينة». لكنه لا يخفي شماتته بأن «من رفع عام 2009 شعار عودة زغرتا إلى الصف الأول، عاد إلى وزارة الثقافة وصفر في التعيينات الإدارية».
ولكن، لماذا لا نشعر بقوة معوض ومن معه؟ لأن زغرتا «ليست في صلب جبل لبنان أو بيروت». وثانياً، «لأن الناس تعاملت مع فرنجية كممثل بشار الأسد في لبنان». وثالثاً، «لأن انتخابات عام 2009 اغتالتني سياسياً».
على رغم هذا «الاغتيال»، لا تزال العلاقة بين الطرفين «هادئة». رسمها معوض عبر «تحديد قواعد الاختلاف. لا نريد أن نعود إلى العنف». ولكنهما لم يتمكنا من «نقل التفاهم إلى مستوى الإنماء، لأن المردة يريد تفريغ المؤسسات لمصالح فئوية».
اللقاءات الثنائية بين المردة والقوات لا تزعج «البيك». على العكس، «فهي ستضع الخلاف السياسي في إطاره الصحيح. هذه اللقاءات لا تطوقنا في زغرتا. كياننا خاص، ولا نزعج القوات». لا ينكر معوض أن «هدف كل فريق توسيع قاعدته الشعبية، ولكن مع القوات هناك تفاهم سياسي. اختلفنا فقط على اقتراح قانون اللقاء الأرثوذكسي (للانتخابات النيابية) الذي لا يشبه خياراتها السيادية». في ما خص الأمور المحلية، «وضعنا آلية لتنظيم العمل، ولفصل الخلافات المناطقية عن التوافق الوطني».
اللقاء مع العماد ميشال عون لم يكن الهدف منه إيصال رسالة إلى معراب: «أتواصل مع العونيين منذ صيف 2013 واتفقنا على ضرورة الحوار بين المسيحيين، وقد شارك عون للمرة الأولى في تشرين الثاني الماضي في ذكرى رينيه معوض». أبى ميشال أن يجلس مع «سميّه» إلا بعد «طيّ صفحة «الأرثوذكسي» مع القوات، لذلك لا يمكن وضعه في خانة خلاف مع معراب».
أما عن العلاقة مع تيار المستقبل الذي «ضحّى» به انتخابياً، «فهي مبنية على خيار بناء الدولة والاعتدال السياسي». معوض يؤكد أنه ليس ضمن الأمانة العامة لقوى 14 آذار، «وأنا معترض على كيفية إدارة الأمور». بيد أن الرؤية السياسية التي تتبناها «هي نفسها التي استشهد من أجلها الوالد».




التمويل العربي ضعيف!

لا مشكلة عند ميشال معوض في الإفصاح عن أن تمويل مؤسساته هو أساساً من الاتحاد الأوروبي ووكالة التنمية الأميركية وعدد من الحكومات الأوروبية. ولكنه يشتكي من ضعف التمويل العربي، «على أمل أن يتحسن».
مجال عمل معوض الأحب إلى قلبه هو مؤسسات رينيه معوض، «المنتشرة في كل لبنان. يرى أنها لم تأخذ حقها بسبب عدم استغلالها إعلامياً». تنقسم إلى أربعة مستويات. على الصعيد الصحي «هناك مستوصف في زغرتا وأربعة في الشمال». زراعياً، «نقدم مساعدات للمزارعين والتعاونيات». على المستوى التربوي «علّمنا 30 ألف ولد القراءة والكتابة، إضافة إلى إنشاء معهد رينيه معوض المهني». وافتتح أخيراً مؤسسة «فرص» تُعنى «بتأمين وظائف للشباب».