إسطنبول | مثلما كان متوقعاً ولضرورات السياسة الخارجية التي ستفرض نفسها خلال الأسابيع القليلة المقبلة على أجندة الحكومة الجديدة، رشّح الرئيس المنتخب رجب طيب أردوغان وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو لزعامة حزب «العدالة والتنمية»، وبالتالي لرئاسة الحكومة التي سيعلنها أردوغان نهاية الشهر الجاري.وكان البروفسور في العلاقات الدولية أحمد داوود أوغلو الذي عيّنه الرئيس الحالي عبد الله غول نهاية عام ٢٠٠٢ مستشاراً للسياسة الخارجية قد أصبح وزيراً للخارجية في بداية عهد غول في صيف ٢٠٠٧.

منذ ذلك الحين، أصبح داوود أوغلو بعد ذلك «رجُل أردوغان» مثلما هي الحال بالنسبة إلى رئيس جهاز المخابرات الوطنية هاكان فيدان الذي جاء به غول أيضاً كمستشار في حكومته بعد ٢٠٠٢. فيما يستعد فيدان الآن، ليكون خلفاً لداوود أوغلو في وزارة الخارجية.
وجاء عتاب غول غير المباشر قبل أيام، عندما قال إن الفضل له بدخول داوود أوغلو وفيدان إلى العمل السياسي، لا لأردوغان الذي كسب هذين الشخصين إلى جانبه ضدّ غول. ويراهن كثيرون على سياسات والمواقف المستقبلية لغول ضد أردوغان الذي يتهمه أتباع غول بقلة الوفاء وبالغدر برفيق دربه، مؤسس حزب «العدالة والتنمية»، وأول من أوصل أردوغان إلى السلطة في وقتٍ كان فيه ممنوعاً من ممارسة العمل السياسي.
واعتبرت الأوساط السياسية قرار أردوغان اختيار داوود أوغلو لرئاسة الحكومة إشارة منه إلى استمرار السياسة الخارجية التي يطبقها وزير الخارجية الحالي منذ نهاية ٢٠٠٢، حتى بات يعتبر مهندس هذه السياسية. كذلك، أطلقت بعض الأوساط الأميركية عليه لقب «كيسينجر الشرق الأوسط»، وخصوصاً بعد نجاح أنقرة في تطبيق نظريته «صفر مشاكل مع دول الجوار». هذه المقولة بدأ بتطبيقها عبد الله غول، رئيساً للوزراء، عندما زار سوريا بداية ٢٠٠٣ في إطار جولة إقليمية لمنع الحرب الاميركية على العراق، وشملت آنذاك سوريا ومصر والأردن والسعودية والكويت وإيران.
هذا الانفتاح استمرّ على دول المنطقة العربية بشكل ناجح، ما دفع القمة العربية ٢٠٠٨ في الخرطوم إلى توجيه الدعوة إلى أردوغان الذي شارك في قمة ٢٠١٠ في سرت الليبية أيضاً.
وحين جاءت موجة «الربيع العربي» ونتائجها الأولية، فُضحت حقيقة الأيديولوجيا العثمانية الجديدة التي تحمل في طيّاتها زعامة تركيا «السنية» للمنطقة العربية بواسطة الإخوان المسلمين. ودفعت هذه الأيديولوجيا أنقرة إلى استنفار كل إمكاناتها من أجل التخلّص من الرئيس السوري بشار الأسد ومن يدعمه في إيران والعراق ولبنان، بل وحتى تركيا (زعيم حزب الشعب الجمهوري كليجدار أوغلو)، وهو ما أعلنه أردوغان وداوود أوغلو أكثر من مرة. وتحمّلت أنقرة الدور الأساسي في المشروع الغربي ـ الإقليمي للتخلص من النظام السوري، حيث احتضنت الأراضي التركية منذ اليوم الأول الفعاليات الخطيرة كافة ضد سوريا، وأهمها فتح الحدود على مصراعيها امام الآلاف من التكفيريين الذين جاؤوا إلى تركيا وانتقلوا عبرها الى سوريا للقتال ضد النظام السوري بأموال وأسلحة خليجية وغربية. وأدى داوود أوغلو صاحب كتاب «العمق الاستراتيجي»، الدور الأساسي في مجمل هذه السياسات الخطيرة لأنه كان المشرف المباشر على هذه التحركات.
وبخلاف سياسة «صفر مشاكل»، كانت السياسة الخارجية التي اعتمدها داوود أغلو كافية لـ«تصفير» جيران تركيا. إذ تدهورت علاقات أنقرة مع سوريا والعراق وإيران ولبنان، بل وحتى مع روسيا وأرمينيا التي تضامنت مع دمشق. تلا ذلك التوتر في العلاقات التركية ـ المصرية، ثم مع السعودية والإمارات التي دعمت الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لتصل أنقرة بذلك إلى المزيد من «الأصفار» في خانة العلاقات الخارجية التركية التي لم يبقَ لها في المنطقة سوى رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البرزاني وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، وصولاً ربّما إلى «الخليفة» البغدادي ودولته المزعومة على حدود تركيا!