هشام جابر مخترع شخصية قبرصلي ومؤديها

كويس إنني صرت أمتلك حساباً على فايسبوك. فتحته قبل أسابيع من السهرة مع «روبرتو قبرصلي»، والا كنا تبهدلنا متل الرفيق خالد حدادة. قبرصلي هذا، سخر من الأمين العام الحالي للحزب الشيوعي اللبناني لأنّه لم يحل بعد ضيفاً على ابن زوكربرغ، ولم يلج تلك الآلة الجهنمية. برافو عليه، فهو لم يقع في الفج الجهنمي الذي نصبه لسكان المعمورة ذلك العفريت الأميركي الصغير. مش غلط القول إنّ هذا النظام «بيغ براذر» جديد يمثل هيمنة تقنية واستخباراتية وفكرية على مستخدميه، أي على العالم. لكن التمرد وارد من داخله. حتّى الآن، ربما لم يقتنع الرفيق خالد بذلك. وحتى لو فعل، لما أفلت من براثن روبرتو.

لا أحد يفلت من براثن روبرتو قبرصلي: لا ممانع ولا ثورجي، لا مجتمع مدني ولا يسار ديمقراطي، لا المكبوتون جنسياً ولا المكبوتون أدبياً من شعراء الاسهال الافتراضي ومناضليه، لا أقزام هذا الزمن ولا عمالقته. نعم بالنسبة إليّ سعد الحريري من اقزام هذا الزمن، وحسن نصرالله من عمالقته. لكن للجميع نصيبه من سخرية قبرصلي المُرّة، إذ يجلدنا بسوطه (بصوته) اللطيف، يضعنا أمام مفارقاتنا وتناقضاتنا وعيوبنا وأكاذيبنا. الـ «قبرصلي»، وابطاله وشخصياته الافتراضية، أقرباء بعيدون لـ آل «ديشيان» Deschiens الذين اشتهروا في فرنسا التسعينيات مع جيروم ديشيان وماشا ماكاييف.
ألم تلتقوا بعد بروبرتو قبرصلي؟ هذا المصلح الاجتماعي الخطير بشعره السيكستيز sixties، ونظارتيه العريضتين، وسالفيه، والبابيون الأحمر، والسموكن الاحتفالي، والصوت الرفيع، والنبرة التهريجية، واللهجة الغريبة التي تجمع النبرة الشعبية، والتفنكات العصرية، والاستعارات الأدبيّة، والهذيان الالكتروني... قوة هذه التركيبة جمعُها بين قراءة سياسية معمقة، وقدرة على التعبير عن يأس الناس من خلال الهذيان والتفكيك والسخرية والارتجال. معادلة تجمع بين سريالية وعبثية من جهة، وقفشات وتنكيت وتريقة اقرب الى الكوميديا الشعبية من جهة اخرى. في Kobroslibook الـ «ستاند آب كوميدي» الجديد (هناك فرصة أخيرة لمشاهدته الاربعاء المقبل في «مترو المدينة») يرصد صديقُنا اللعين، عصره ومجتمعه ومعيوشنا السياسي والاجتماعي، هوسنا وفراغنا وعيوبنا وقهرنا وعقليتنا الموتورة...
دخل أبو الرور الى الفايسبوك متلصّصاً على قبائله وعاداته ونزواته وكائناته


هذه المرة، دخل أبو الرور الى الفايسبوك متلصّصاً على قبائله وعاداته ونزواته وكائناته. الفايسبوك أي الانسحاب من الواقع لاعادة انتاجه في العالم الافتراضي. علماً أن علاقتنا بالواقع باتت افتراضية من دون مواقع اجتماعية. لا يرحم روبرتو أحداً، ولا يوفر أحداً في هذا الزمن الداعشي الطالع من خوفنا وعجزنا وجهلنا وبؤسنا وانحطاطنا. يتأرجح عند الحد الفاصل بين اللائق والمحظور، لكن خطابه وحواراته ومفرداته الادائية واللفظية لا يفارقها ذاك النفَس الشعري ـــ بالمعنى الأشمل للشعر ـــ بل قل يصنع فرادتها. روبرتو المراقب الغاضب، والمحب اليائس، والحالم المصدوم الذي لن يوفر كلمة فجة الا ويصفعنا بها، فنضحك بهستيرية ونقبلها بمنتهى الطبيعية لأنها ترد في بالنا أيضاً ولا نجرؤ على اخراجها، لأنّها تعتمل في وجداننا فنكبتها.
ما قد يسميه الناس المهذبون «كلاماً نابياً»، يبدو طبيعياً هنا لأنه في السياق، يأتي بعفوية ليتصادم مع الذوق السائد والخطاب المهيمن، ليرفضه ويحاكمه ويدينه. هل يمكن أن نتحدّث، من وحي جان جينيه، عن «جماليّة البذاءة»؟ المؤكّد أنّ من الصعب التعامل مع هذا العمل «الترفيهي» المنفرد، الا بصفته أداة تحريض اخلاقي وتمرد فكري، وسلاح مواطني (نسبة إلى «مواطنة»؟) وسياسي خطير. لو أنّ انتشاره أوسع، لتعرّض لأشرس أشكال القمع والرقابة. يحيى الكاباريه الثقافي اذاً، فهو القادر اليوم على احتضان التجارب الطليعية والراديكالية التي تعلن القطيعة مع السائد.
سخرية روبرتو تخفي وراءها غضباً عظيماً، ويأساً مريراً. السخرية في Kobroslibook سخرية مثقفة مهما تنكرت بثياب الشعبوية، تقوم على رصد الواقع، على كثير من التفكير والبحث. الممثل والمخرج والكاتب اللبناني هشام جابر مخترع شخصية قبرصلي ومؤديها، نجح مرتين: في ابتداع هذا الكاباريه الثقافي الواحة في قلب بيروت أولاً، ومن خلال برمجته المميزة، تالياً ومن ضمنها الاعمال المختلفة التي يقدمها هو، وتجمع بين متعة الفرجة واستعادة دور الثقافة في الحاضرة، ومد الجسور المقطوعة مع الذاكرة النهضوية، واعادة الاعتبار الى النقد والتفكير، كل ذلك بلا شعارات وبعيداً من عقم الايديولوحيا.
لم يعد لنا من وسيلة للمقاومة المدنية واستعادة الهامش المدني المفقود الا الثقافة والفن. أكتب هذه الكلمات العاطفية وأعرف أن روبرتو يسخر منّي الآن، مع أنني بت أمتلك حساباً على فايسبوك، ومع انني لا استعمله للجنس أو للشعر. لكن أحياناً للنضال ومواجهة الامبريالية، هذا صحيح، أعترف!... بس أنا أناضل «من داخل التنين» (بالإذن من الـ Che)، خلافاً للرفيق حدادة.

Kobroslibook: 22:00 مساء الأربعاء 27 آب (أغسطس) ــ «مترو المدينة» (الحمرا) ـ للاستعلام: 76/309363