«السيناريو من الشمال (حزب الله)، هو سيناريو مختلف، وأكثر تعقيداً». هذا ما خلص إليه قائد منظومة القبة الحديدية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، شاي كوغينتسي، في مقابلة مع صحيفة جيروزاليم بوست، في السابع من الشهر الجاري. بحسب الضابط، «نراقب بشكل أساسي الجبهة الشمالية، رغم انشغالنا الآن في قطاع غزة، وندرك جيداً أن التحديات هناك أكبر بكثير. ففي حوزة حزب الله ترسانة صاروخية من مئة ألف صاروخ».
قبل كوغينتسي، تطرق في الأول من الشهر الجاري، الوزير الإسرائيلي عوزي لانداو، في مقابلة مع القناة الثانية العبرية، إلى تهديد حزب الله الصاروخي ومدى نجاعة الرد الدفاعي عليه (القبة الحديدية) قياساً بغزة. قال لانداو إن «حزب الله يملك 140 ألف صاروخ أثقل مما في القطاع، وأنا لست واثقاً الى أي حد سيكون ردنا جيداً على هذه الصواريخ التي ستطلق علينا بكثافة».
أمس، تناولت صحيفة هآرتس منظومة القبة الحديدية و«نجاحاتها»، وعرضت مجموعة من الأسئلة: هل حققت المنظومة بالفعل نجاحاً كبيراً؟ هل غيرت موازين القوى؟ هل أزاحت تهديد الصواريخ وقذائف الهاون؟ وهل منحت الأمن للمستوطنين من حدود قطاع غزة حتى منطقة تل أبيب وشمالها؟ وهل منحت الحكومة المرونة السياسية التي توقعتها؟ إلا أن أهم هذه الأسئلة ارتبط بالقدرة على الاعتماد على القبة الحديدية في أي مواجهة مستقبلية مع حزب الله؟

سيستخدم حزب الله صواريخ ذات رؤوس متفجرة من نصف طن

وكاتب مقالة هآرتس هو أحد أهم الخبراء الإسرائيليين في منظومات الليزر ومتشعباتها، رئيس جمعية «درع الجبهة الداخلية»، عوديد عميحاي، الذي انطلق في مقاربته لفعالية القبة الحديدية، من الأرقام والمعطيات المتداولة في إسرائيل، والتي تشير الى أنها نجحت في تنفيذ 587 اعتراضاً صاروخياً، وأخطأت 116 مرة ـــ أي أنها حققت نجاحاً بمعدل 83 في المئة. وهذا ظاهرياً، بحسب عميحاي، «نجاح تكنولوجي مثير للانطباع، ومن شأنه أن يمنح الهدوء والأمن للكثير من الإسرائيليين».
إلا أن تشريح هذه المعطيات من قبل عميحاي، يشير الى أن معدلات اعتراض «القبة الحديدية» الناجحة هي من أصل عدد محاولات الاعتراض لا عدد الصواريخ التي أطلقت نحو الأراضي المحتلة. و«ما ينبغي أن يثير اهتمام الحكومة الإسرائيلية، والمؤسسة الأمنية والجمهور الواسع، هو كم صاروخاً جرى اعتراضه من أصل إجمالي الصواريخ التي أطلقت».
وبلغة الأرقام، يلفت عميحاي الى أنه في أثناء العدوان الأخير على قطاع غزة، أُطلق باتجاه المستوطنات الإسرائييلية 3356 صاروخاً، منها 119 سقطت في قطاع غزة. ومن أصل 3237 صاروخاً وصلت الى داخل الأراضي المحتلة، تم اعتراض 587 صاروخاً. بمعنى أنه من ناحية عملية، لم يجر اعتراض سوى 18 في المئة من الصواريخ التي تجاوزت حدود قطاع غزة. إضافة الى ذلك، أطلق صوب مستوطنات غلاف غزة نحو 700 قذيفة هاون، ولا يوجد ضدها اليوم حل دفاعي يتيح اعتراضها.
وإذا أضفنا الى ذلك أيضاً، يتابع عميحاي، نحو 500 صاروخ وقذيفة هاون أطلقت نحو مستوطنات غلاف غزة في الأسبوعين ما قبل حملة الجرف الصلب، تنخفض معدلات الاعتراض للصواريخ الى نحو 15 في المئة، من دون إحصاء قذائف الهاون، التي تشكل نحو 17 في المئة من إجمالي النار على الأراضي المحتلة.
ما تقدم يعني، بحسب عميحاي، ان المسألة تتعلق بنجاح محدود، ساهم أساساً في رفع المعنويات، لكن من دون أن يردع فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، وخاصة أنه على مدى أكثر من شهر عاش 3 ملايين اسرائيلي في ظل الصواريخ وقذائف الهاون، 70 في المئة من مستوطني غلاف غزة أخلوا منازلهم، والسياحة تعطّلت، ومطار بن غوريون خرج عن نطاق العمل لعدة أيام، وفي تل أبيب أيضاً كانت المقاهي والمطاعم شبه مقفرة.
ما يزيد الطين بلة، وفق عميحاي، هو أنه خلافاً للعمليات العدوانية السابقة، وجد سلاح الجو الإسرائيلي صعوبة في العثور على منصات اطلاق الصواريخ البعيدة المدى، وأنه مثلما في الحملات السابقة، لم يصطدم بنار مضادات الطائرات. وهذا ما يوجب الحذر واليقظة، لأن حرية عمل سلاح الجو لن تستمر إلى الأبد، فحزب الله يمتلك منذ الآن سلاحاً مضاداً للطائرات، وهذا ما سيكون لدى حماس أيضاً في المستقبل.
عيوب «القبة الحديدية» التي انكشفت في حملة «الجرف الصلب»، ستظهر بشكل أكبر في المواجهة المستقبلية مع حزب الله، يضيف عميحاي. ذلك أنه حسب تقديرات شعبة الاستخبارات العسكرية، سيطلق فيها نحو ألف صاروخ في اليوم، وفي هذه المواجهة، فإن «منظومات الدفاع ستنهار في غضون عدة أيام، وإسرائيل ستبقى عرضة للنار». والأخطر من ذلك، أنه في مواجهة مستقبلية، سيستخدم حزب الله صواريخ دقيقة من طراز فاتح 110 أو أم 600، ذات مدى نحو 250 كيلومتراً، مع رؤوس متفجرة من نصف طن مع هامش في دقة إصابة لا يتجاوز 30 متراً. وهذه الصواريخ ستؤدي الى تعطيل مواقع استراتيجية في إسرائيل.
العيوب التي تعاني منها منظومة القبة الحديدية، دفعت عميحاي الى المطالبة بضرورة البحث عن وسائل بديلة تقدم حلاً لتهديد الصواريخ في المواجهة المستقبلية التي ستكون الصواريخ المستخدمة فيها ضد الاحتلال في فلسطين مختلفة كماً ونوعاً.