يعرف الناشط في التيار الوطني الحر نعيم عون، جيداً أن اللعب مع السلطة، هو مثل «الرقص مع الفيل». يحفظ جيداً كيف انتهت المحاولات «الانقلابية» والحركات الاعتراضية على خيارات التيار الذي يقوده عمه الجنرال ميشال عون. لذلك، يقول المتابعون لحركته، إنه لم يكن ليقدم عليها «لو لم يدرس الأرضية جيداً». قبل نحو أسبوع، نشر عون مقالاً في جريدة «السفير» فنّد فيه الإشكاليات داخل التيار و«تحديات المستقبل».
تحدث عن «أزمة ثقة بالذات وبالقيم وبالمبادئ». وأسف لأن «التيار الذي عرفته أنا وغيري الكثيرون لم يعد موجوداً»، ليخلص إلى دعوة رفاقه «إلى عدم الاستسلام... والقيادة الحزبية إلى إشراك الشباب في النقاش الحر الصريح».
لا يريد نعيم عون أن يتحول التيار إلى «يافطة مثل بقية الأحزاب، لذلك أطلق هذه الصرخة بخلفية إيجابية»، بحسب ما يقول مقربون منه. وخلافاً لما أشيع في الإعلام، «بقُّ البحصة» لم يأتِ فقط رداً على «محاولة الوزير جبران باسيل الاستئثار بذكرى 7 آب، فالموضوع كان مطروحاً قبل العشاء الذي أقامه باسيل في البترون، ولكن نعيم أرجأ موعد النشر بسبب أحداث عرسال». يؤكّد المقربون، أيضاً، أن الموضوع «أعمق» من أن رجال أعمال كالياس بو صعب، وسياسيين كإيلي الفرزلي وسليم جريصاتي وفادي عبود، «لهم خيارات سياسية معارضة تاريخياً لمواقف التيار، وباتوا اليوم ناطقين باسمه».

نعيم عون:
رسالتي تهدف لإعادة التيار إلى مساره


يقول هؤلاء إنه لا سبب واحداً وراء الرسالة، «بل عوامل عدة أظهرت خطراً على وجود التيار من جهة، وقضية مأسسة التيار من جهة أخرى، إضافة إلى أن بعض المسؤولين في التيار وأعضاء من فريق عمل الجنرال أثبتوا فشلهم». يقارن عونيون تنظيمهم بتنظيم حليفهم حزب الله، ويتساءلون: «حزب كحزب المقاومة بوجود قائد بأهمية السيد حسن نصرالله يعمل كمؤسسة. فلماذا لا نكون مثلهم؟».
المتابعون لنعيم عون يرجّحون وجود «خطة أعدّها مع تحديد التوقيت المثالي لكل خطوة». يرفضون مقارنته باللواء عصام أبو جمرة الذي غادر التيار عام 2010: «لا يشبهه أسلوباً وأهدافاً. فنقطة قوة نعيم ليست أنه ابن شقيق الجنرال، بل أنه لم «يحرد» طلباً لموقع نيابي أو وزاري أو منصب في التيار أو في الدولة. وهو لم يرفع سوى شعار المطالبة بنظام داخلي لمؤسسة حزبية. كذلك فإنه حافظ على علاقة جيدة بمعظم ناشطي التيار وقيادييه، كما بالعونيين الذين خرجوا من التيار ولم ينقلبوا عليه سياسياً». ما زال نعيم يرفض «التوغل أكثر في الموضوع إعلامياً». يقول في اتصال مع «الأخبار» إن «هناك توقيتاً لكل شيء». أكد أن الرسالة التي كتبها «تهدف إلى إنقاذ الوضع وإعادة التيار إلى المسار الصحيح». بيد أنه أوحى أن الخطوة الثانية تبقى رهن عدد من المحطات، أولها إقرار النظام الداخلي الذي لا تزال هناك نقطة واحدة لم يتفق عليها فيه، وتتعلق بصلاحيات المكتب السياسي ورئيس التيار. أحد نواب تكتل التغيير والإصلاح يقول لـ«الأخبار» إن محاولات مأسسة التيار بدأت منذ تسع سنوات. ينتقد «مقربين من الجنرال استفادوا من غياب المؤسسة وعدم وجود أي شراكة في صناعة القرار، ما أدى إلى خيارات خاطئة ندم عليها عون لاحقاً». وحين طُرحت فكرة إعادة التنظيم، «بدأ البحث عن نظام داخلي للحزب يهدف أساساً إلى تنظيم مرحلة ما بعد العماد عون، لأن لا قيمة لأي نظام بحضور شخصيته طاغية». شعر من يحبون إطلاق صفة «مناضلين» على أنفسهم أنه «يوجد أمل لإطلاق عملية استنهاض التيار، مقابل استغلال البعض هذا الملف لمآرب شخصية وعلى قياسهم». يقصدون بهؤلاء «جبران ومقربين منه حاولوا تفصيل النظام على قياسهم. لذلك كانت ترجمة هواجس المناضلين عبر مقال نعيم». يؤكد النائب أن «إطار الرسالة ليس سلبياً، والمقاربة كانت بناءة». ويتساءل بتهكم: «كيف يتخلى التيار عن شربل نحاس صاحب القضية، ويتمسك برجال كل العهود. هناك أسئلة وجودية عن كيفية وصول الناس». هي صرخة جديدة من أجل «العودة إلى الروحية التي حكمت التيار خلال سنوات النضال، والتي شهدت نجاح العمل الجماعي. الناس قدموا تضحيات بناء على مبادئ رفعها عون». المفارقة أن عودة عون إلى الوطن شتتت أصحاب «القضية» بدل أن تزيد اللحمة بينهم، «حصل ذلك يوم تحول إلى حزب سلطوي»، يقول النائب. ويستدرك سريعاً أنه «بالنسبة إلينا يبقى عون فوق كل الاعتبارات، والرهان عليه وحده لآخر دقيقة. رغم كل المآخذ عليه، وتساهله في بعض الأمور، يبقى هو الأمل والطاقة، وقد ربّى جيلا لا يتدجّن».
الرهان حالياً الاستمرار في وضع أسس النظام الداخلي «بالشكل المناسب، ونختبره بوجود عون عسانا نتمكن من تنقية الأجواء بين أعضاء التيار عبر تثبيت قواعد العمل المشترك واستنهاض الروحية المطلوبة والاندفاع لإعادة الحيوية إلى صفوفه».
وصلت الرسالة إلى الرابية. انزعج منها عون، «ولكنه لم يناقشها مع نعيم، بل مع بعض النواب»، استناداً إلى مصادر الرابية. تزيد المصادر أن الجنرال الذي يتعافى من كسر في يده، «ما زال يقرأ المعطيات، ولم يقل كلمته الأخيرة بعد».