انهيار المفاوضات في القاهرة، وانهمار صواريخ المقاومة على مساحة واسعة من فلسطين المحتلة، أمران فتحا الباب واسعاً في الصحف العبرية أمام طرح أسئلة كثيرة عن أسباب إخفاق المفاوضات، والخيارات المتاحة أمام رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بعد عودة الأوضاع إلى النقطة الصفر، إضافة إلى تساؤلات عديدة عن ادعاءات تحقيق الردع مقابل الفصائل وسبل استعادته.
في هذا المجال، تطرق المحلل السياسي في صحيفة «هآرتس»، باراك رافيد، إلى انهيار المفاوضات والبدائل وجدواها، فرأى أن ما حدث إخفاق متوقع أعاد الأمور إلى نقطة البدء. وقال رافيد إن اختيار نتنياهو سبيل التسوية مع حركة «حماس» كان خطأً ذريعاً سبّب ضرراً سياسياً كبيراً، فبدلاً من «انتهاز الفرصة لتجنيد المجتمع الدولي إلى جانب إسرائيل زاد الخلاف مع الولايات المتحدة، وبدلاً من عزل حماس، منحها التفاوض شرعية أخرى، وأضعف الرئيس الفلسطيني محمود عباس أكثر».
وتابع المحلل سلسلة استنتاجاته بالقول: «بدلاً من المبادرة والدفع نحو إجراء سياسي يخدم أمن إسرائيل القومي، جُرّ رئيس الوزراء ووزير الدفاع إلى مسار أمْلت حماس برنامج عمله». لكنه يضيف أن إسرائيل تنازلت رويداً رويداً عن مطالب مثل نزع السلاح ومنع التسلح والرقابة الدولية، «وأصبحت مستعدة للاكتفاء بأدنى قاسم مشترك لـ(الهدوء مقابل الهدوء)، كي تكسب بضعة أشهر من دون صورايخ».

المعركة التي لم تؤد إلى ردع «حماس» أجبرت إسرائيل على التفاوض

من هنا، يرى رافيد أن انهيار التفاوض يحمل أخباراً طيبة لإسرائيل، «لأن ذلك أتاح فرصة ثانية لصوغ إجراء سياسي إن لم يُفض إلى وقف إطلاق الصواريخ، فسيمنحنا على الأقل إنجازات سياسية في الساحة الدولية». وبناءً عليه، ينصح رافيد، نتنياهو، بأن يوجه جهوده إلى مقر الأمم المتحدة في نيويورك «بدلاً من التسوية في مقر الاستخبارات المصرية في القاهرة».
على النسق نفسه، سار معلق الشؤون العسكرية في «يديعوت أحرونوت»، أليكس فيشمان، فوصف المحاولة المصرية لتمديد الهدنة بأنها محاولة إحياء جثة ميتة، «لأن الطرفين، إسرائيل وحماس، لم يقصدا في الحقيقة التوصل إلى اتفاق». وهو أيضاً يرى في انهيار المفاوضات وعودة النار فرصة ثانية لهيئة الأركان العامة في الجيش كي تعرض على المجلس الوزاري المصغر خطة جذرية وأكثر جرأة «تستطيع أن تؤثر حقاً في سلوك حماس، وهي خطة تجهد أكثر في الحيلة والمفاجأة بدلاً من الاكتفاء بإلقاء أطنان من القنابل غير الفعالة على مخابئ الصواريخ وأماكن إطلاقها».
فيشمان تحدث أيضاً عن البديل الدبلوماسي الذي يجري التباحث فيه الآن بين إسرائيل ومصر، وهو إحداث سلسلة اتفاقات بين: إسرائيل ومصر، وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، والسلطة ومصر. ولما كان فتح معبر رفح متعلقاً بالتسوية بين السلطة والقاهرة، وفتح المعابر مع القطاع متعلقاً بتسوية بين السلطة وإسرائيل، فقد أصبحت رام الله المحور المركزي في هذا الشأن، وحماس في الخارج. «منذ هذه اللحظة»، يضيف المعلق في الصحيفة، «تُبلغ إسرائيل ومصر، السلطة، أنها في الحقيقة هي العنوان الوحيد، وينبغي أن تأتي بموافقة كل الفصائل في القطاع على التسوية، فإذا لم تأت بها، فسنعود إلى وضع الرد على النار بالنار، والرد على الهدوء بالهدوء».
وتطرق فيشمان إلى التحول في موقف الوفد الإسرائيلي في مفاوضات القاهرة، فعزاه إلى وزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، الذي كشف وثيقة التسوية المصرية بعدما عُرضت على إسرائيل، «ففي اللحظة التي كشف ليبرمان فيها الوثيقة للمجلس الوزاري المصغر، قبل الاتفاق عليها، لم تعد هذه الوثيقة موجودة، وعاد وفد إسرائيل إلى القاهرة وفي جعبته تعديلات وضغوط كما يراها ليبرمان ووزيران آخران». ويضيف المعلق: «الصراع في المجلس المصغر هو الذي حسم الأمر، وأُثبتت مقولة أن إسرائيل ليست لها سياسة خارجية بل سياسة داخلية فقط».
على نحو آخر، قال معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «معاريف»، يوسي ميلمان، إن حرب غزة المستمرة يمكن منذ الآن تقسيمها إلى أربع معارك فرعية: «واحدة عسكرية، والثانية اقتصادية، والثالثة هي الضربة التي تلقتها الجبهة الداخلية، ولا سيما لجهة الحياة الطبيعية للإسرائيليين والتأثير النفسي عليهم». وتوجد معركة أخرى هي حزبية في جوهرها، وفق ميلمان، «فتصير الحرب حملة انتخابات على ظهر الجنود الذين يقاتلون في الجبهة، وذلك على حساب الموتى والجمهور المشوش وسكان الجنوب اليائسين».
أما قائد سلاح البحرية سابقاً، اللواء احتياط اليعيزر مروم، فركز في «معاريف» على مفهوم الدرع، مشيراً إلى أن إسرائيل دخلت إلى المعركة انطلاقاً من افتراض أنها ستتمكن من تحقيق الردع ضد «حماس» ثم إنهاء المواجهة من طرف واحد وخلق هدوء، «لكن العملية العسكرية المحدودة التي نفذها الجيش لم تؤد إلى الردع، بل انجرت إسرائيل إلى مفاوضات مع حماس، وهذا وضع محرج بلا شك... دولة إسرائيل العظيمة والقوية لم تنجح في خلق ردع وتطلب الأمر منها التفاوض في القاهرة».
ولفت مروم إلى أن نظرية الأمن غير المكتوبة في إسرائيل تقوم على أساس الردع، «وهو الذي يسمح لها بنمط حياة سليم في بلاد صغيرة ومحوطة بالأعداء، ويسمح لها بفترات طويلة من الهدوء». وفي رأيه، عملية «الجرف الصامد» لم يتحقق فيها الردع مقابل منظمة صغيرة تتحدى نظرية الأمن الإسرائيلية، وطرق مواجهتها في المستقبل لجملة من أعدائها، لهذا يتعين على إسرائيل أن تعود إلى نظرية الأمن الأساسية لديها والسعي إلى تحقيق ردع مقابل «حماس».
من جهته رأى المعلق العسكري في «هآرتس»، عاموس هرئيل، أن نتنياهو راهن على تحقيق إنجاز معنوي عبر اغتيال القائد العسكري لكتائب القسام، لكن العملية التي أدت إلى مقتل زوجته وابنته حولت الأخير إلى رمز، وضاعفت الهالة التي تحيط به، «وفي الوقت نفسه فاقمت مشكلات رئيس الحكومة». ورأى هرئيل أن نتنياهو كان له هدف واحد في هذه العملية، هو إرضاء الجمهور، وخاصة أن اغتيال محمد الضيف لا يؤثر في الروح القتالية للقسام، لافتاً إلى أنه رغم إمكانية تسويق عملية الاغتيال، لو نجحت، فإنها لا تغير الوضع الاستراتيجي.