وقف درويش في صالة في صنعاء وقال: «كيف أقرأ الشعر وأنا بين يدي أحفاد أمرئ القيس»، بعدها ذهب إلى عدن والتقى بقيادة الاشتراكي، كأنها محاولة لفعل خطوات باتجاه غلق صفحة المواجهة والدخول في حوار، لكن ظهر أن كل شيء كان قد انتهى واتخذ الطرفان قرارهما. وقبلها بكثير، في منتصف 1988، لم يكن لسميح القاسم نصيب في أن يأتي إلى اليمن ومحمود درويش فيها. دعوة وصلتهما للمشاركة في مؤتمر للمثقفين العرب لدعم الانتفاضة.
نشرت رسائلهما في مجلة
«اليوم السابع» التي كانت تصل إلى اليمن بانتظام
كان درويش في باريس وسميح القاسم في حيفا. بينهما مسافات وبحر ولا بد من وصل الضفتين بشيء ما. لا بد من اختراع يصنع حلقة تحيي التفاصيل القديمة التي كانت بينهما في الوطن المُحتل؛ ذكريات الأيّام الأولى وحكايا الوقوف معاً في طابور الصباح المدرسيّ. استعادة لما مضى ووصف للحال التي وصلا إليها وما فعل البُعد بينهما. التقيا في «استوكهولم الباردة» واخترعا فكرة الرسائل، لكنّ الفكرة تاهت لعامين. ويعترف درويش بتقصيره لأنه «محروم من متعة التخطيط لسبعة أيام قادمة»، الفكرة ستُنشر مباشرة على صفحات مجلة «اليوم السابع» في باريس التي كانت تصل إلى اليمن بشطريه بانتظام. سيقرأ أهل البلاد السعيدة يومها رسالة من درويش لسميح معترفاً «كم افتقدناك في صنعاء... كم تمنّينا أن تكون معنا في صنعاء». قيل إن سبب عدم المجيء هو رفض سلطات الاحتلال منح تصريح خروج للقاسم، في حين أوردت أخبار أنّ صنعاء رفضت أن يدخل أراضيها بوثيقة سفر إسرائيلية. ومهما كان السبب، فإن سميح لم يأت في الحالتين، بينما أظهر درويش في رسالته «كيف أشرح للناس ما لا يُشرَح إلا بالسخرية. كيف أشرح لهم أن قانون الغيتو الإسرائيلي سيحاكمك، لو جئت إلى أرض العرب، بتهمة الاتصال بالعدوّ؟». ومع ذلك، لم يغفل صاحب «ذاكرة للنسيان» أن يسرد لأخيه ما كان في غيابه: «لقد نشر الإخوة اليمنيّون حسرتَك... وجاءني أكثر من أب يمنيّ مُطالباً بتحقيق رغبتك بمُداعبة شِعر طفلٍ يمنيّ. وظلّوا يسألون: لماذا لم يأتِ إلى صنعاء؟». وعليه، يبدو زهو أهل اليمن بانتماء سميح ودرويش إليهم مُستحقاً وفي أيديهم ما يؤكد ذلك.