قبيل انتهاء موعد الهدنة الثالثة في منتصف الليل، تسلل رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، خلسة إلى مستوطنة «سديروت» القريبة من شمال قطاع غزة، خشية استهدافه بالصواريخ، وذلك لتهدئة روع المستوطنين وتهيئتهم لتقبل احتمال انتهاء حالة الهدوء التي تسود جنوب إسرائيل. هذه الخطوة عكست فرضية المنسوب المرتفع لللايقين الإسرائيلي إزاء المرحلة المقبلة.
على خط مواز، تعمد نتنياهو مع وزير جيشه موشيه يعلون، إظهار حالة الجهوزية السياسية والعسكرية استعدادا لكل السيناريوهات. إذ جرى الإعلان أمس عن جلسة تقدير وضع استغلها الاثنان لتوجيه رسائل إلى الداخل الاسرائيلي وقوى المقاومة في غزة، وحاول الأول إيحاء بأن يد الجيش على الزناد في حال تعرض اسرائيل لصليات صاروخية.
لجهة الزيارة الخاطفة والسرية، فبرغم أن نتنياهو هدف إلى رفع معنويات المستوطنين وتقديم صورة أن القيادة السياسية تقف إلى جانبهم، لكنه أقر ضمنا بمحدودية القوة الإسرائيلية في تحقيق الآمال والطموحات التي كان يتوقعها المستوطنون. ودعا إلى الإقرار بحقيقة «أننا نعيش في منطقة لا تكفي فيها القوة فقط»، لذا دعا المستوطنين إلى «الوحدة والصمود الذي يمكننا من الانتصار في المعركة».
أيضا، حاول نتنياهو افهام المستوطنين بضرورة أن يكونوا واقعيين، مشيرا إلى أننا «في ذروة معركة سياسية نحتاج فيها إلى المزيد من القوة، وينبغي أن نفهم أن المطلوب هنا المزيد من طول النفس والصبر». طبعا لم ينس الرجل العمل على رفع المعنويات المستوطنين الذين خاطبهم بالقول: «مناعتكم تمنحنا المزيد من القوة وتفعيل القوة».
على خط مواز، أجرى نتنياهو مع يعلون وباقي الأجهزة الأمنية والعسكرية، جلسة تقدير للوضع الأمني في قاعدة سلاح البحر في أشدود، وتناول فيها مختلف السيناريوهات المحتملة مع انتهاء موعد وقف النار. وكرر رئيس وزراء العدو مقولته التي شدد فيها أن الوفد الإسرائيلي يعمل وفق توجيهات تضع الحاجات الأمنية في الأولوية، وذلك في محاولة لترسيخ هذا المفهوم في الرأي العام الإسرائيلي، كما بعث رسالة لتعزيز الردع، قال فيها إن الجيش «مستعد لشن هجمات إذا تجددت النيران».
وفي ما يبدو أنه محاولة لتهيئة الرأي العام للتسليم بإمكانية طول المواجهة، أوضح نتنياهو: «في الشرق الأوسط العاصف نحتاج إلى القوة وطول النفس»، مضيفا أن لدى الجيش «الكثير من القوة».
في السياق نفسه، أكد يعلون أن «العملية لم تنته»، مضيفاً أن المؤسسة الأمنية لن تهدأ حتى «نحقق الهدوء»، ومؤكدا في الوقت نفسه أن الجيش في حالة استعداد للرد بقوة على أي تطور
وفي ظل مروحة السيناريوهات التي يجري تداولها في الساحة الاسرائيلية، بات واضحا أن الإسرائيلي يرجح أن المقاومة قد تتبنى إستراتيجية خوض معركة استنزاف في مواجهة جيش الاحتلال والمستوطنين، وهو خيار مؤلم للقيادة والجمهور في إسرائيل، لذلك وجه يعلون رسالته بأن «حماس لن تجرنا إلى حرب استنزاف، واذا ما حاولت ستتلقى الصاع صاعين».
رغم هذا، كانت وزيرة القضاء، تسيبي ليفني، تواصل إطلاق المواقف التي تعكس رؤيتها لاستغلال ما تراه «فرصة راهنة للتوصل إلى تسوية جديدة في غزة من شأنها أن تؤدي على المدى البعيد إلى نزع سلاح الفصائل الفلسطينية وإعادة سيطرة السلطة على القطاع». ورأت ضرورة إشراك جهات أخرى في المفاوضات حول هذه المسألة.
وكان لليفني صوتها أيضا في إطلاق التهديدات ضد غزة، وعلقت على مطالبة «حماس» بفتح المطار والميناء بالقول إنه لا يمكن اختيار بنود من اتفاقات سابقة دون تطبيق بنود أخرى في هذه الاتفاقات «مثل نبذ الإرهاب والعنف».
في سياق متصل، وعلى وقع التقديرات لمرحلة ما بعد الهدنة، ذكرت صحيفة «إسرائيل اليوم» أن وزارة الخارجية تعمل على مسودة لتقديمها إلى مجلس الأمن، والهدف منها جعل المبادرة بيد إسرائيل بدلا من جرها في المحافل الدولية».
أيضا، تواصل إسرائيل طرح الأفكار التي تهدف إلى التنصل من اتفاق وقف النار. هنا، دعا وزير المالية، يائير لابيد، إلى عقد مؤتمر إقليمي بمشاركة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ومصر والسلطة الفلسطينية والسعودية ودول الخليج، بدعم من الدول المانحة، من أجل بلورة خطة لنزع سلاح المقاومة وإعادة إعمار غزة.
بعيدا عن التقديرات، ولتجنب الخطأ الذي وقعت فيه المؤسسة السياسية والأمنية مع انتهاء الهدنة قبل السابقة، قررت وزارة الجيش وقف حركة القطارات بين عسقلان وسديروت، لأن مقاطع من السكة الحديدية مكشوفة للقطاع. وكان مسافرون قد عبروا عن خشيتهم من إمكانية تعرض القطار لهجوم بقذائف مضاد للدروع في عدة نقاط مكشوفة لغزة.
وكانت عدد من وسائل الاعلام العبرية نقل، نقلا عن مسؤول إسرائيلي رفيع، تأكيده أن تل أبيب وافقت على تمديد وقف النار 24 ساعة إضافية، بناء على طلب مصري من أجل استمرار المفاوضات. في السياق، نقلت صحيفة «هآرتس» عن مصدر مصري قوله إن أغلب القضايا الأساسية جرى تأجيل البحث فيها إلى مرحلة لاحقة، وأن البيان المتوقع صدوره إعلان نيات من دون تفاصيل موسعة.