«معارك حلب الكبرى» تقترب. كل المؤشرات من عاصمة الشمال السوري توحي بذلك. المحافظة شهدت على امتداد السنوات الماضية معارك عدّة، كان بعضها مفصلياً، وشكّل مُقدمات للمرحلة المقبلة. مرحلة تتسابق ثلاثة معسكرات أساسية في محاولات تهيئ مُعطاها الميداني، كلّ وفق بوصلته. الجيش السوري يبدو عازماً على المضيّ في استكمال تطويق الأحياء الشرقية من المدينة، تمهيداً لسيناريو شبيه بالسيناريو الحمصي، الذي انتهى بخروج المسلحين من المدينة القديمة إلى الريف.
مع مراعاة الفوارق في طبيعة الجبهتين، إن لجهة المساحة الجغرافية، أو لجهة كثرة عدد المجموعات المسلحة التي تنتشر في أحياء حلب. جهود الجيش الأخيرة تبدو منصبّةً على استكمال السيطرة على محيط السجن المركزي، ومستشفى الكندي، ومخيم حندرات، ومنطقة الكاستيلو، من دون أن يغيب سلاح الجو عن سماء الريف. وسُجّل في الأيام الأخيرة ازدياد ملحوظ في عدد الطلعات التي استهدفت مناطق سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية». ومن المتوقع في حال نجاح الجيش في استكمال التطويق، أن يعمل وفق استراتيجية القضم، في محاولة لإجبار المسلحين على الانسحاب نحو مناطق وأحياء بعينها. مع الأخذ في الاعتبار أن هذا الأمر في حال حدوثه، قد يؤدي إلى نشوب اشتباكات بين بعض المجموعات التي تسيطر على أحياء متجاورة.
بدوره، يسعى تنظيم «الدولة الإسلامية» إلى فرض سيطرته على كامل الريف الشمالي، الأمر الذي عبّر عنه بوضوح بيان صدر أمس عن التنظيم، وجاء فيه: «بعدما منّ الله على عباده المجاهدين في سبيل الله بتحرير عدة مناطق وقرى في الريف الشمالي لولاية حلب، واستكمالاً لغزوة الثأر للعفيفات، نعلن عزمنا على تحرير مناطق الريف الشمالي وطرد الصحوات منها». ووفق المُعطى الميداني، ستكونُ مدينتا حريتان وعندان مسرحاً لمعارك عنيفة بين التنظيم من جهة، وكلّ من «حركة نور الدين زنكي»، و«حركة حزم»، و«جيش المجاهدين» من جهة أخرى. التشكيلاتُ الثلاثُ تُعتبر أقوى المجموعات المسلحة حضوراً في الريف الحلبي، فيما بات حضور «لواء التوحيد»، و«حركة أحرار الشام» رمزيّاً وحضور «جبهة النصرة» ضئيلاً، بعد تركيز جهودها على جبهة إدلب المجاورة. تحالف «حزم/ الزنكي/ المجاهدين» يحتفظُ بمراكز قوة في معارة الأرتيق، التي ستكونُ مُنطلقاً نحو حريتان وعندان. عديد «حزم» الفعلي يُقدّر بحوالى ألف مسلّح، وتكمن فعاليتها الأساسية في مضادات المدرعات التي تمتلكها، فيما يبقى احتمالُ تلقيها مزيداً من الأسلحة مفتوحاً. أما عديد «جيش المجاهدين» فيُقدر بثلاثة آلاف، بينما يُقدر عديد «نور الدين زنكي» بألفي مُسلّح، وأقوى تكتلاتها هو «لواء الأنصار». ويعاني التحالف بالمجمل من استنزاف الذخائر من جرّاء الهجوم الفاشل الأخير الذي استهدف ضاحية الأسد (مدخل أحياء حلب الغربية) منذ حوالى أسبوعين. وما لم يحدث تغير فعلي في موازين القوى، فمن المتوقع أن تميل كفة المواجهة لصالح «الدولة الإسلامية»، ما سيضع الجيش السوري بالتالي أمام معركة ضد التنظيم، الذي سيحاولُ استخدام الريف الشمالي منطلقاً نحو حلب.
في جديد المشهد الميداني، شهد محيط مدينة مارع (الريف الشمالي) معارك عنيفة أمس، بين تنظيم «الدولة» ومجموعات مسلحةٍ تابعة لـ«الجبهة الإسلامية» وحلفائها. مصادر الأخيرة تحدثت عن تحولها من الدفاع إلى الهجوم، وعن تقدمها في قرى احتيملات وتل مالد وأرشاف، فيما استهدف الطيران السوري تمركزات لتنظيم «الدولة» في قرية دابق (الريف الشمالي الشرقي)، كما في مدينة منبج (الريف الشرقي). بينما اندلعت اشتباكات بين مسلحي «الإسلامية» وحلفائها من جهة، والجيش السوري والقوى الرديفة من جهة أخرى في خان طومان (ريف حلب الجنوبي)، وأخرى بين الجيش السوري و«لواء شهداء بدر» على جبهة الخالدية، في أطراف مدينة حلب. إلى ذلك، قتل سبعة مسلحين من تنظيم «الدولة الإسلامية» من جراء انفجار سيارة مفخخة في قرية تركمان بارح (الريف الشمالي)، وتضاربت الأنباء حول أسباب الانفجار ما بين مسؤولية «جبهة النصرة» عنه، وانفجارها أثناء تفخيخ عناصر تنظيم «الدولة» لها تمهيداً لإرسالها إلى مارع.




في المدينة الوضع مختلف

خلافاً للريف، يبدو وجودُ المسلحين في أحياء حلب الشرقية غير متماسك ومفتقراً إلى التنظيم. مصدر مواكب للمشهد الميداني توقع أن «سيطرة الجيش السوري على الأحياء الشرقية باتت أسهل من أي وقت مضى». المصدر أكّد لـ«الأخبار» أنّ «السمة الأوضح في الأحياء الشرقية هي كثرة عدد المجموعات المسلحة، وغياب التنسيق بينها، وضعف التسلّح بالمقارنة مع نظيرتها في الريف الحلبي». أبرز المجموعات الموجودة في تلك الأحياء هي «جيش المجاهدين» في صلاح الدين، «لواءا فجر الحرية والسلطان مراد، جبهة النصرة، وكتائب الفتح المبين» في الصاخور والحيدرية. وعلى جبهة الراموسة والراشدين يحضر كلّ من «جيش المجاهدين، حركة نور الدين الزنكي تجمع أنصار الخلافة، لواء الحق، فيلق الشام، كتيبة القدس، حركة إباء، وكتائب ابن تيمية». أما في المشهد والأنصاري، والصالحين والكلاسة فتحضر «ألوية فاستقم كما أُمرت»، و«سرية أبو عمارة للمهام الخاصة». وفي حلب القديمة «لواء صقور الشام، لواء أحرار سوريا (محمود عفش)، لواء التوحيد (جماعة دابق)، وكتائب الصفوة»، إضافة إلى تمركز محدود لـ«جبهة النصرة». ويُقدر عدد المدنيين بحوالى 300 ألف في كامل الأحياء الشرقية.