حين سمي وزير التربية الجديد الياس بوصعب، تداول الفايسبوكيون في معرض توقع أدائه معلومة تفيد بأنه زوج المغنية الرقيقة جوليا بطرس المعروفة بمواقفها الوطنية.لأمر ما، اعتبر هؤلاء أن خيارات الرجل الشخصية، اي زواجه من سيدة معروفة بمواقفها الوطنية، إشارة اكيدة الى ما يمكن ان يكون عليه أداؤه السياسي اي مع الناس واوجاعهم ومطالبهم... لكني لمعرفة سابقة بالوزير اثناء عمله في الجامعة الاميركية بدبي، حيث انه كان مسؤولاً هناك، لم اكن واثقة من هذا «التحليل».

فالوزير هو ابن التعليم الخاص، وقد تمرن في معاقل هذا التعليم، كأي منا خلال عمله، على تكوين قناعات معينة. لذا توقعت ان تحصل سريعاً انواع محددة من «الاشتراكات»، بناء على منصبه الجديد، خصوصاً ان الامتحان الاول لهذا الوزير كان متوقعاً، أي موقف سيتخذه من افضل واقوى معركة نقابية يخوضها اللبنانيون منذ ثلاث سنوات؟ أعني «سلسلة الرتب والرواتب».
اجتهد الوزير في محاولات التوفيق بين المتوقع منه شعبياً، وبين مصالح الفئات التي يمثلها بالحقيقة، اقصد اليمين الاقتصادي والاجتماعي. لكن «العدة» التي كونها الوزير من شغله وقناعاته اثبتت سريعاً انها في واد في حين ان اللبنانيين في واد آخر.
يشبه الوزير بو صعب طبقة رجال الاعمال التي يعج التيار الوطني الحر للاسف بممثليها. وهي طبقة تغزو الاحزاب اللبنانية، ولو انها ما زالت بحسب متخصصين ظاهرة عونية بامتياز. فالوطنية بما تعنيه في المخيلة العامة شيء خارج اليسار واليمين، اي انك من الممكن ان تكون وطنياً وفي الوقت ذاته يمينياً او يسارياً او محايداً. اما اليمين واليسار، بالمعنى المباشر، فهي اسماء لمواقف اجتماعية اقتصادية او هذا ما تبدو عليه للوهلة الأولى.

هيئة التنسيق
كما المقاومة
أفرزها المجتمع دفاعاً عن نفسه


لذا، حصل الصدام بسرعة. ماذا فعل الوزير؟ كلنا نعلم ان فراغ الخزينة لا يعني فراغها فعلاً، بل هو يعني ان لا زيادة في «حصة» الناس، خصوصاً المعنيين بالسلسلة، طالما ان ميزان القسمة لا يؤمن للطبقة الاقتصادية «ما غيرها» أرباحها المضطردة المعهودة. هكذا، لم تفض شطارة الوزير المتعطش لنجاح سياسي ما، في اولى اطلالاته الا الى صدام مع «هيئة التنسيق النقابية». ففي النهاية «واحد زائد واحد يساوي اثنين، وواحد ناقص واحد يساوي صفراً». وبالتالي كل عبقرية «التشاطر» اللبنانية لن تفضي الى نتيجة أخرى!
الصدام الذي حصل لم يكن بسبب «تعنت» الهيئة من جهة وتعنت الطبقة التي يمثل مصالحها الوزير من جهة اخرى (بما فيها اولا التعليم الخاص الديني)، بل بسبب ان الوزير لم يفهم ان الهيئة، كما المقاومة اللبنانية بالضبط، افرزها المجتمع اللبناني دفاعاً عن نفسه في غياب الدولة، اي انها نتيجة عقود من الصراع مع غياب الدولة او تغييبها بإدامة سلطة الطبقة السياسية الفاسدة.
وبالتالي فإن كل اساليب التشاطر سبق للهيئة ان انتجت «مضادات حيوية» لها وهي مضادات فعالة، تبدو في العافية الاخلاقية والسياسية والنقابية لهيئة التنسيق.
هكذا، وعلى مدى ثلاث سنوات من النضال، بدأت الهيئة بالتواصل مع طبقة من الشعب اللبناني تتسع باضطراد، بالتوازي مع تعدد مناسبات الظهور على الشاشات وفي الشارع. هكذا أيضاً، اكتسبت في مفاصل الصراع مع الحكومات مصداقية اخذت تجذب بخاصة تلك الفئات الاجتماعية المتضررة من إدامة الصراع السياسي بمعناه الفارغ من الهموم الاقتصادية والاجتماعية الأخرى.
إفادات؟ نحن الجيل الاول لإفادات الحرب الاهلية نفهم ما الذي يعنيه ان تكون مزوداً بتلك الورقة الغبية التي تساوي بين الطلاب على اختلاف مستوياتهم. هو قرار بضرب التعليم اللبناني والشهادة اللبنانية. هل تعلم ماذا يعني ان تحملها وتذهب الى جامعة «السوربون» مثلاً؟ يا سلاااام! هناك ستفهم ما الذي يعنيه ان تحمل ورقة موقعة من حكومتك تقول انك «قد تكون» تعلمت شيئاً! «قد!». وهناك، في الصفوف التالية لهذه الـ «قد» ستفهم ما معنى افادة.
الافادات التي اصدرها بو صعب تشبه الى حد كبير العفو العام الذي اصدرته الطبقة السياسية عن نفسها، ما يعني انك ايها المواطن الصالح، الذي لم تؤذ نملة، تتساوى مع العملاء والمجرمين في انكما تحملان سجلاً عدلياً يقول: لا حكم عليه! افادات ولا حكم عليه...
الافادات التي اصدرها بو صعب تعني انهيار مستوى الكفاءة عند جيل جديد. تعني انه والتيار الذي يمثله في الحكومة، لا يسعى لتحقيق الرفاه للشعب اللبناني، بل لادامة السلطة مهما كان الثمن، لمزيد من الوجاهة والحصانة والنفوذ.
الافادات تعني ان جيش الطلاب وجيش الاساتذة و... الجيش «شخصياً» كما الدرك والموظفين، أي الغالبية الساحقة من اللبنانيين غير مهمين. تماماً بحسب اسلوب السنيورة الذي «درّج» سياسة «انها تمطر بصاقاً»، وذلك لجهل بنيوي عند هؤلاء، بفهم معنى المتنفس النقابي للمجتمع، وهو متنفس يمنع الانهيارات والصدامات الاجتماعية الخطيرة.
اين الاختلاف بين السنيورة وبو صعب؟ لم لا يكون بو صعب في تيار المستقبل؟ لا شيء يمنع! يمكنه في الحقيقة ان يكون في اي من احزاب السلطة!
تقفل الطبقة السياسية اليمينية الجشعة امام الناس اي قناة للتصحيح الاجتماعي والاقتصادي. تقول لهم: «أعلى ما في خيلكم اركبوا!» هذه حصتكم وارضوا بها.. اما هم؟ فليس عليهم الا إرضاء البنك الدولي الذي يمنع «رفع الرواتب» في البلدان التي يقبض عليها. بو صعب ليس وزير تربية، انه تفصيل في عقلية سياسية يراد لها ان تبقى ممسكة بالبلد. يتبع بو صعب، بأناقة اكبر ربما، تتناسب مع جدة سلطته الاسلوب السنيوري. لا معنى لكل تدوير الكلام واللعب على الالفاظ والحبال لتضييع «الشنكاش»، بحسب التعبير البلدي الجميل. فالشنكاش واضح مكانه بفضل ذكاء قلب وروح هيئة التنسيق.
نعم، لجوليا محبة خاصة عند الناس، ولكن لا يمكن توظيفها ضدهم. الجواب بسيط على السؤال التالي: من يشبه اغاني جوليا أكثر الهيئة ام الوزير؟
يعني وبالمشبرحي: واذا جوزها للرفيقة جوليا!