لم تنجح ضغوط المكاتب التربوية في أحزاب السلطة في كسر القرار النقابي لهيئة التنسيق. فقد أدّى التدخل الحزبي السافر في الشؤون النقابية إلى نتائج عكسية، تجسّدت أمس في إقرار الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين لروابط المعلمين والموظفين، بالأكثرية الساحقة، توصية الهيئة بمواصلة مقاطعة تصحيح الامتحانات ومواجهة الإفادات والإصرار على أن الحل يكمن في إقرار سلسلة الرواتب في مجلس النواب.
قالت القاعدة النقابية كلمتها: لا تصحيح ولا إفادات، فوجّهت صفعة قوية إلى الأحزاب التي تدّعي تمثيلها، وأظهرت شراسة في الدفاع عن موقف هيئة التنسيق وإقرار الحقوق في سلسلة الرواتب على خلفية «ما حدا بيوقف بوجه حقو».
النقابيون عدّوا هذه النتائج بمثابة تفويض جديد لهم بزيادة الضغوط والتحرّك ميدانياً أكثر، ورأى بعضهم أن أجواء الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين أشبه بـ«انتفاضة» عنوانها: «العمل النقابي خط أحمر ومصادرة القرار المستقل لهيئة التنسيق مرفوض».
هذه الهزيمة لأحزاب السلطة أمام من تصنّفهم قطعانها، دفعت بعضها إلى التراجع عن بيانات سابقة تضمنت تلميحات إلى أنها تمتلك «المونة» أكثر من الهيئة النقابية، فسعت إلى تغليف موقفها السابق الداعي إلى التمرد على القرار النقابي بالقول إنها ستحترم إرادة المعلمين والموظفين.

خطة وزير التربية

وزير التربية الياس بو صعب، لم يتلقف الرسالة، على الرغم من أنه تحدّث عن «نفاد جميع الخيارات لإيجاد حل لإنقاذ العام الدراسي، وبعد ساعات طويلة من الحوار، وعدم التوصل إلى أي مخرج لهذه الأزمة، خاصة أنه لا توجد بوادر لعقد أي جلسة تشريعية لإقرار سلسلة الرتب والرواتب، وبعد إصرار هيئة التنسيق على موقفها، ما أقفل الباب على جميع الحلول المقترحة»، وبدلاً من أن يعيد النظر في خياراته، قرر المضي في اختبار القوة في مواجهة هيئة التنسيق، مراهناً على احتمال ألّا يكون المشهد النقابي أمس حقيقياً، فدعا اللجان المعنية إلى وضع أسس التصحيح، كما كان مقرراً، عند الثامنة والنصف من صباح اليوم، في وزارة التربية، وعند التاسعة والنصف صباحاً في المديرية العامة للتعليم المهني والتقني، وإذا تبلغ، عند الثانية عشرة ظهراً، من رئيسي اللجان الفاحصة، المدير العام للتربية فادي يرق والمدير العام للتعليم المهني والتقني أحمد دياب، عدم إمكانية السير في التصحيح، تنطلق عملية طبع الإفادات «لجميع الطلاب».

كانت قواعد
الأحزاب أكثر شراسة
في الدفاع عن
القرار النقابي


المحك الأساسي في هذه المحطة المفصلية هو: هل تحترم اللجان الفاحصة تعهداتها أمام هيئة التنسيق النقابية بالتزام قرار المقاطعة وعدم الحضور إلى قاعة أسس التصحيح؟ أم أنّها تنصاع لتمنيات أحزابها السياسية فتشارك في التصحيح؟ أعضاء في هذه اللجان قالوا إنهم لن يحضروا، وممثلو بعض الأحزاب الأساسية قالوا لـ«الأخبار» إنّهم لن يجبروا الأساتذة على الحضور، لكنهم لن يمنعوهم في الوقت نفسه. تجدر الإشارة إلى أن جلسة وضع أسس التصحيح (الباريم) لا تكون قانونية إلا إذا كانت علنية وحضرها مقرر لجنة المادة ونائب المقرر والمصححون.
لم يكتفي وزير التربية بتحدّي قرار المعلمين والموظفين، بل وصف خطوة هيئة التنسيق بـ«الانتحارية»، وقالت مصادر في الوزارة إنه لا يزال يراهن على خرق المئات للقرار النقابي، وهو ما وعدت به أحزاب السلطة، وبالتالي انطلاق عجلة التصحيح وإصدار النتائج. إلا أن هيئة التنسيق بدت أمس أكثر ثقة بصلابة قواعدها، وأعلنت أنها ستكون حاضرة لرفع مستوى المواجهة وتعطيل أي إمكانية لعقد اللجان الفاحصة، إذ سينفذ المعلمون والأساتذة اعتصاماً منذ الثامنة صباحاً على مداخل وزارة التربية، كذلك يعتصم الموظفون الإداريون وأساتذة التعليم المهني أمام المديرية العامة للتعليم المهني والتقني، وهما المركزان المحددان لانعقاد هذه اللجان. وأُقرّ تنفيذ إضراب عام شامل لتعطيل وزارة التربية وجميع الوزارات والإدارات العامة والسرايات الحكومية والبلديات والقائمقاميات، اليوم وغداً، على أن يتوّج ذلك باعتصام مركزي، عند الحادية عشرة من قبل ظهر غد الأربعاء، للقول إن الحل الوحيد هو أن تنزل جميع الكتل النيابية إلى المجلس النيابي لإقرار سلسلة الرواتب التي تحفظ حقوق جميع القطاعات، وعلى أساس نسبة واحدة 75% الباقية من نسبة التصحيح المستحقة 121%.
هذه هي حصيلة يوم ماراتوني مُهِّد له بسلسلة من البيانات الحزبية الداعية إلى الرضوخ، واستنفر فيه وزير التربية كل طاقاته، ولم يتوان عن دعوة مديري الثانويات واللجان الفاحصة ومندوبي الروابط الذين يحملون صفة نقابية إلى اجتماعات متتالية مفتوحة بغية حثهم على المشاركة في التصحيح.

الجمعيات العمومية

بالإجماع وبرفع الأيادي، وافق مجلس المندوبين المركزي لرابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي على قرار الاستمرار في قرار المقاطعة ورفض أي نوع من أنواع الإفادات. هذا المشهد جعل رئيس الرابطة حنا غريب يتحدث عن عرس نقابي وفرحة انتابت كل غيور على الحركة النقابية. وخلال جلسة مجلس المندوبين، رأى غريب أنّنا هنا للدفاع عن كرامتنا والعمل النقابي واستقلاليته، لافتاً إلى أنّ التهويل بالإفادات واستخدامها لضرب الأساتذة والطلاب هو محاولة لشق الحركة النقابية وضرب هيئة التنسيق. ودعا إلى إقامة توازن رعب وعدم حرق ورقة المقاطعة والاستفادة من «الستاتيكو» السياسي الجديد والمشاورات المفتوحة على الانفراج، باعتبار أن ضرب الهيئة يعني دعم داعش. لم ينسَ التشديد على رفض السلسلة التي تعطي نسبة تصحيح 13% للأساتذة الثانويين والمعلمين بدلاً من 75% الباقية من أصل 121%، ومقسطة على 3 سنوات أي (4% سنوياً)، ما يكرس فارق 54 درجة بين بداية راتب الأستاذ الثانوي وبداية راتب الأستاذ الجامعي المعيد بعد أن كان تاريخياً 6 درجات، فضلاً عن المواد الأخرى التي تهدّد بإطاحة الحقوق المكتسبة لقاء الزيادة في ساعات العمل والمكرسة بقوانين منذ أكثر من 48 سنة.
وبدت لافتة النبرة التي تحدث بها ممثلو الأحزاب في هيئة التنسيق، إذ «قررنا أن نكون مع مصلحتنا وليس على مصلحتنا»، كما قالت مقررة فرع الشمال في رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي ملوك محرز (تيار المستقبل)، لافتة إلى أنه «أمامنا وادٍ وخلفنا ذئب، ونحن لن نقع في الوادي، بل سنقاوم الذئب». وبالنسبة إلى مقرر فرع جبل لبنان في الرابطة ميشال الدويهي (التيار الوطني الحر)، فقال إن «الأحزاب لها حساباتها ونحن لنا حساباتنا وحساباتنا لا تخطئ وسنشكل جميعاً سياجاً لحماية العمل النقابي ولن أكون شخصياً المسهّل لضرب وحدة الرابطة». أما أمين سر الرابطة نزيه جباوي (حركة أمل)، فقال إننا «ضنينون بأن يكون الموقف هو مع رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي وهيئة التنسيق ونعمل بموجب الروحية النقابية التي تعودنا عليه». وأكد نائب رئيس الرابطة يوسف زلغوط أننا «لن نتراجع إلا بعد الحصول على ضمانات فعلية، موضوعية وحقيقية عن السلسلة التي ستقر والتي نصر على أن تأتي متوافقة مع المذكرة المطلبية التي قدمتها هيئة التنسيق لكل الكتل النيابية».
هذه الوقفة الموحدة جعلت مسؤولة الشؤون التربوية في الرابطة بهية بعلبكي (مستقلة) تقول: «كل أستاذ لأي حزب انتمى يقف هذه الوقفة المشرفة هو مستقل، وكنا متيقنين من أن أستاذ التعليم الثانوي لديه من الوعي النقابي ما يكفي لكي لا يخفض رأسه ويقول كلمته في هذه المهمة التاريخية التي لا يمكن تجاوزها». ويمثل استمرار المقاطعة، بحسب المندوب فيصل زيود (مستقل) الكرامة، مضافاً إليها الحفاظ على موقع الأستاذ الثانوي. ورفض زيود التهديد بعدم بدء العام الدراسي، لأنّ ذلك يضرب تلميذ المدرسة الرسمية دون سواه، وهذا ما لا نريده. يذكر أن زيود لديه ابنة تقدمت للامتحانات الرسمية هذا العام. رئيس رابطة التعليم الأساسي الرسمي محمود أيوب، أعلن أنّ جمعيات المعلمين العامة صوتت بالإجماع بالموافقة على توصية الهيئة باستمرار مقاطعة وضع أسس تصحيح الامتحانات الرسمية وتصحيح الامتحانات الرسمية، مشيراً إلى أنّ أقصر الطرق لأن يأخذ الجميع حقه هو مشاركة جميع الكتل النيابية في الجلسة المفتوحة للمجلس النيابي لإقرار السلسلة بعد اعتراف جميع الكتل بأن السلسلة قد أشبعت درساً وأن مواردها قد توافرت.

خصوصية التعليم المهني

وبحضور مختلف المكونات السياسية، أقرت الجمعية العمومية المركزية لرابطة أساتذة التعليم المهني الرسمي بالإجماع الاستمرار في خيار المقاطعة، حتى إقرار سلسلة عادلة تساوي بين كل القطاعات الوظيفية. وقال رئيس الرابطة إيلي خليفة إن خصوصية التعليم المهني تنسف فكرة الإفادات، إذ كيف يمكن إعطاء إفادة ناجح لطالب رسب في الامتحانات العملية، علماً بأنّ هذه الامتحانات أنجزت وصدرت نتائجها.
وصوّت أساتذة التعليم الخاص بالأكثرية الساحقة لمواصلة المقاطعة، كما قال رئيس نقابة المعلمين نعمه محفوض، في ظل عدم وجود أي مستجدات أو حلول جدية تستوجب العودة عنها. وأكد محفوض أن المعلمين ردّوا على الأحزاب السياسية بشكل رائع للحفاظ على الهيئة النقابية التي تمثلهم. وقال إننا «لن نقبل بأن يضعونا بين الإفادة والتصحيح، فالذهاب إلى المجلس النيابي وإقرار الحقوق في السلسلة هو الحل العاقل الذي يأخذ البلد إلى الأمان الاجتماعي».
من جهته، أعلن رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر أنّ مجلس مندوبي الرابطة أقر توصية هيئة التنسيق وتنفيذ الإضراب العام والشامل يومي الثلاثاء والأربعاء في 12 و13 الجاري والاعتصام أمام مدخل المديرية العامة للتعليم المهني والتقني في الدكوانة، عند الثامنة من صباح اليوم الثلاثاء، والاعتصام عند الحادية عشرة من صباح غد الأربعاء، في ساحة رياض الصلح. كذلك فوض مجلس المندوبين إلى الهيئة الإدارية اتخاذ كل الإجراءات التصعيدية للرد على التسويف والمماطلة بموضوع السلسلة، بما فيها إعلان الإضراب المفتوح. واستنكر مجلس المندوبين محاولات البعض في اللعب على وتر زرع الانشقاق داخل مكونات هيئة التنسيق النقابية، وأكد أن وحدة هيئة التنسيق النقابية متينة وثابتة وراسخة.