صنعاء | ما زال اليمنيون يذكرون ليلة الرعب التي قضوها في نهاية كانون الأوّل (ديسمبر) عام 2013، وهم يتابعون فيلماً تسجيلياً حول وقائع هجوم جماعة من تنظيم «القاعدة» على مستشفى حكومي في صنعاء (الأخبار 19/4/2014). يومها، شاهدوا أطبّاء وممرضين ومرضى وجنود وهم يسقطون قتلى برصاص عناصر التنظيم الإرهابي. الفيلم الذي صُوّر عبر كاميرات المراقبة الموجود في المستشفى، لم يتضمن موسيقى تصويرية لأنّ صرخات الضحايا تكّفلت بالمهمّة.
لم يطُل الوقت كثيراً حتّى كان اليمنيون على موعد آخر مع مجزرة جديدة لكن على صفحات الفايسبوك هذه المرّة. صباح أوّل من أمس (السبت)، ظهرت صور وشهادات ميدانية لواقعة ذبح 14 جندياً ينتمون إلى المحافظات الشمالية على أيدي جماعة تقول إنها من «أنصار الشريعة» التابعة لـ«القاعدة». تروي الشهادات التي نشرتها مواقع إلكترونية محليّة تفاصيل المذبحة التي وقعت في إحدى مناطق مدينة حضرموت الجنوبية، وكيف تعمّد القتلة تصويرها لحظة بلحظة، بدءاً من إيقاف الحافلة التي كانت تنقل المواطنين والجنود الذين كانوا يرتدون أزياء مدنية، وصولاً إلى فرزهم وفقاً للهويات الشخصية.

بعد رثاء الجنود المذبوحين أول من أمس، سيطرت اللغة المذهبية والمناطقية


بعدها، أُبقي على الجنود المنتمين إلى المحافظات الشمالية في حين تُرك الآخرون ليعودوا من حيث أتوا.
لم يمرّ وقت طويل حتى نُشرت صور أظهرت طريقة التخلص من الجنود: ذبحاً بالسكين، ليتبعها فيديو قصير يسجّل تفاصيل العملية. شريط اعتذر عدد من الإعلاميين عن نشره على صفحاتهم الشخصية على الموقع الأزرق، نظراً إلى بشاعة المناظر التي أظهرها. في المقابل، أصرّ آخرون على تعميم التسجيل لتنبيه الناس من الخطر الذي صارت تمثله «القاعدة». التبرير نفسه استندت إليه السلطات اليمنية عندما قرّرت عرض تسجيل مذبحة المستشفى على التلفزيون الرسمي. لكن بعد الرثاء والدموع، غرق الفايسبوكيون في الطائفية والمناطقية. انتقلوا من إدانة «القاعدة» إلى تراشق الاتهامات بين مؤيدين لـ«الإخوان المسلمين» (التجمع اليمني للإصلاح) وبين جماعة «أنصار الله» (الحوثيين)، في حين وقفت جماعة حضرموت (جنوب) على الحياد معلنة أنّ المعركة شمالية ــ شمالية ولا شأن لها بها. استخدمت في المعركة الافتراضية كل الوسائل كافة، بينها العودة إلى الأرشيف كما فعل بعض الحوثيين حين عرضوا صوراً لأعضاء في الإخوان وهم في «ساحة التغيير» التي انطلقت منها الثورة الشبابية ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح. وأعاد هؤلاء نشر مقال كتبه زعيم الإخوان في اليمن، محمد اليدومي، على صفحته على فايسبوك متحدثاً عن ضرورة مجيء«داعش» إلى اليمن.
هكذا، استمرت عملية تبادل الاتهامات بنفس طائفي ومناطقي لم يشهده «اليمن السعيد» من قبل. وعليه، يبدو أنّ الصورة تزداد اسواداً، وما فشل في تحقيقه نظام علي عبد الله صالح سيتحقق عبر «الربيع الطائفي» المسيطر بقوّة على اليمن.