متسلحاً بغطاء سياسي، أعلن وزير التربية إلياس بو صعب قراره بإعطاء إفادة ناجح لكل من يملك بطاقة ترشيح وتقدّم للامتحانات الرسمية في الشهادة المتوسطة وشهادة الثانوية العامة بفروعها الأربعة، وقال إنه يجمّد تنفيذ قراره 48 ساعة فقط، في انتظار إشارة مغايرة من هيئة التنسيق النقابية، أو بمعنى آخر، أعطى الهيئة مهلة يومين كي ترضخ مجدداً وتقبل بالتنازل عن حقها بالإضراب وتلغي قرارها بمقاطعة تصحيح الامتحانات.
إعلان القرار كشف خدعة قام بها ممثلو بعض المكاتب التربوية في الأحزاب السياسية، إذ عكسوا مواقف متناقضة مع أحزابهم وكتلهم النيابية، ففيما أعلن معظمها أنه يقدم الغطاء السياسي للقرار، أعلن هؤلاء دعمهم لموقف هيئة التنسيق النقابية ورفضوا إعطاء الإفادات، جملة وتفصيلاً، وقالوا إنّهم لن يغطوا أي خطوة في هذا الاتجاه.
قيادة هيئة التنسيق النقابية وضعت قرار الوزير بو صعب في خانة العمل على «تصفيتها»، إلا أن وزير التربية يصر على أن «تحرير الطلاب، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في كل هذه المعركة، هو الهدف الوحيد وراء قراره الجدي والنهائي»، لكن بدا لافتاً أن يأتي القرار مترافقاً مع موقف للمطارنة الموارنة، الذين أعربوا عن قلقهم من الوضع الاقتصادي المتردي، وطالبوا بخطة اقتصادية تستدعي حلولاً تتماشى مع خزينة الدولة، رافضين أن يؤخذ الطلاب رهينة الصراع السياسي، وهو ما عدّه نقابيون غطاءً للوزير كي ينفّذ مطلب اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، الذي ضغط مع الجامعات الخاصة لإمرار الإفادات.
أشار بو صعب إلى أن ما سيقدم عليه يحتاج فقط إلى قرار وزير، وهو سيعرض خطوته على مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة غداً (اليوم) من باب العلم والخبر ليس إلّا. ولفت إلى أن القرار سيكون عودة عن خطأ ارتكبه عندما قال إنّه «لن يعطي إفادات وكان يحاول يومها إعطاء ورقة قوية لهيئة التنسيق»، على حد تعبيره، «لكن الوضع بات مقفلاً بالسياسة والأمن، والأجواء لا توحي بإقرار سلسلة خلال شهر أو شهرين، وقد يتأخر الأمر إلى ما بعد الانتخابات النيابية، وإن كان يطمئنني ما سبق لرئيس مجلس النواب نبيه بري أن أكده، وهو أن السلسلة ستكون البند الأول على جدول أعمال أول جلسة تشريعية»، حسبما قال.
بقي بو صعب يشدد على أنه «سيظل رأس حربة إلى جانب حقوق الأساتذة»، مطالباً إياهم بأن يفكروا في «ما نمر به من ظروف استثنائية، وأي عمل نقابي مسؤول يجب أن يأخذ في الاعتبار الظروف الدقيقة التي تمر بها البلاد على الصعد كافة»، إلّا أنّ الوزير رأى في الوقت نفسه أنّه لا أحد يملك الحق في أن يأخذ سنة من عمر الطلاب.

مواقف الكتل
النيابية جاءت مغايرة
لما أعلنته المكاتب التربوية في الأحزاب


وزير التربية اعتبر أن
وعده السابق بعدم إعطاء الطلاب إفادات
كان خطأً


هيئة التنسيق لم ترد بعد بخطوات تصعيدية ولم تطالب بو صعب بالاستقالة


القرار سيعرض على جلسة مجلس الوزراء اليوم لأخذ العلم فقط بحسب ما صرّح بو صعب
هيئة التنسيق النقابية لا يقنعها هذا النوع من الكلام، وطالبته أمس بأن «يزيح» من الدرب إذا كان خاضعاً للضغوط، برأيها، إن الظروف الاستثنائية تستدعي من الجميع الذهاب إلى مجلس النواب وإقرار سلسلة الرواتب كشكل من أشكال تأمين الدعم للجيش اللبناني في معركته ضد الإرهاب. فالجنود هم أبرز الفئات المستفيدة من إقرار السلسلة، ورأت أن ما يحصل خيانة لأولئك الذين يضحون بأرواحهم في عرسال وينتظرون إقرار حقوقهم في تصحيح رواتبهم إلى جانب أكثر من 220 ألف معلم وموظف ومتقاعد ومتعاقد.

المكاتب التربوية: ازدواجية الموقف

لكن بو صعب يملك مقاربته المختلفة. ففي لقائه أمس مع ممثلي المكاتب التربوية، الذين التقاهم قبيل إعلان القرار، وجّه إليهم أربعة أسئلة: هل أنتم مع الإفادات؟ هل أنتم مع وحدة هيئة التنسيق؟ ما هو الحل؟ هل أنتم راضون عن إبقاء الطلاب رهينة مقاطعة التصحيح في الامتحانات؟
وكانت النتيجة أن أجمع المسؤولون التربويون على رفض الإفادات، وأن الحل ليس بيدهم، ولم يوافقوا على إبقاء الطلاب رهائن. وحدها حركة الشعب والحزب الشيوعي اللبناني تحفظا على السؤال الأخير، على خلفية أن مثل هذا السؤال لا يوجه إلينا وإلى هيئة التنسيق، بل يوجه إلى الذين يعرقلون إقرار السلسلة في المجلس النيابي. إلا أن الوزير بو صعب لم يكن ينتظر الأجوبة حتى يقرر ما إذا كان سيمضي بتنفيذ قراره أو لا. إذ حصل في الأسبوع الماضي على ضوء أخضر بالسير بتنفيذ قراره من أصحاب القرار في الكتل النيابية الرئيسية.
المكاتب التربوية استبقت اجتماعها مع الوزير باجتماع موسع عقدته مع هيئة التنسيق في مقر رابطة التعليم الأساسي الرسمي. وخرج المجتمعون بأجواء إيجابية ذكّرت بمناخات مقاطعة التصحيح في عام 1987 حين استطاع مكتب المعلمين أن يغلّب الموقف النقابي على الموقف السياسي للأحزاب المنضوية في الحركة الوطنية والجبهة اللبنانية التي كانت على السواء ترفض قرار المقاطعة، وحقق يومها المعلمون المطالب المرفوعة، ومنها درجتان استثنائيتان وتعزيز موازنة تعاونية موظفي الدولة.
حذرت المكاتب مجتمعة من اعتماد الإفادات أو أي صيغة بديلة للشهادة الرسمية، باعتبار ذلك خطوة غير تربوية تفقد الشهادة الرسمية صدقيتها في الداخل والخارج، وأكدت أيضاً إقرار السلسلة وفق مذكرة هيئة التنسيق النقابية ودعوة الكتل النيابية إلى حضور جلسة لمجلس النواب لهذا الغرض. كذلك التزمت المواقف التي تتخذها هيئة التنسيق، بما فيها مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية. هذا لم يمنع بعض المواقف المتمايزة التي عبر عنها مفوض التربية في الحزب التقدمي الاشتراكي سمير نجم، حين سجل هاجسه من عدم التصحيح وأنّه لا يستطيع أن يقف ضد قرار بو صعب الذي هو بمثابة إجراء إداري يسهل دخول الطلاب إلى الجامعات.
أما المنسق العام لقطاع التربية في تيار المستقبل د. نزيه خياط، فقال إن «موقفنا المنطقي والمنسجم مع حراكنا النقابي هو الموقف التضامني مع هيئة التنسيق والحريص على وحدتها. أما إذا ارتأت هيئة التنسيق، نظراً إلى الظروف الطارئة المستجدة العودة عن مقاطعة التصحيح وربط نزاع مع السلطة السياسية مع بداية العام الدراسي المقبل، فهذا يعود للهيئة أن تقرره». وكان لافتاً أن يخرج مقرر فرع جبل لبنان في رابطة أساتذة التعليم الثانوي ميشال الدويهي ومسؤولة العلاقات الخارجية في الرابطة ليديا كرم وكلاهما من التيار الوطني الحر ببيان مشترك أعلنا فيه التزامهما الكامل بالقرارات النقابية الصادرة عن الرابطة ورفض أي خطوة تؤدي إلى إجهاض التحركات النقابية وتعطيل ورقة الضغط الوحيدة الباقية للرابطة.

هيئة التنسيق: ضربة على الرأس

هيئة التنسيق أخذت قرارها الحاسم الذي لا رجوع عنه، وهو الاستمرار في خيار المقاطعة من دون أن تعلن خطوة ميدانية تصعيدية، وأكد عضو الهيئة حنا غريب في مؤتمر صحافي عقده مساء أمس، أن «قرار مقاطعة أسس التصحيح حصل بطلب من وزير التربية، مذكراً بتصريحاته في أكثر من مناسبة التي قال فيها: «إذا كانت ستعطى إفادات فليفتشوا عن غيري». لذلك قال غريب لبو صعب: «زيح ولا تحمل المشكلة بصدرك». وبحسب مصادر الهيئة، فإن غريب لم يقصد دعوة الوزير إلى الاستقالة نتيجة فشله في إدارة هذا الملف واعتماده الخداع في اتخاذ قراراته، بل قصد المطالبة بأن لا يتحمل بو صعب مسؤولية مواقف كل الكتل السياسية وحده.
ودعا غريب مجلس الوزراء إلى «وضع حد نهائي لموضوع الإفادات، لانه خطير وإجراء غير تربوي يمس بسمعة الشهادة الرسمية اللبنانية»، مشدداً على أنّ «وحدة هيئة التنسيق مطلوبة اليوم أكثر من أي يوم مضى بعد محاولات ضربها». كذلك خص لجنة التربية النيابية ورئيستها النائبة بهية الحريري بدعوتها إلى بذل المزيد من الجهد لعقد جلسة للمجلس النيابي وإقرار الحقوق.
النائبة بهية الحريري سارعت إلى إجراء اتصال هاتفي مع غريب، وتمنت عليه، ومن خلاله على هيئة التنسيق، بالعودة عن قرار مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية، من باب الوقوف وقفة مسؤولة تجاه الوطن وأبنائه في ظل هذه الظروف الدقيقة والصعبة التي يمر بها لبنان والأخطار التي يتعرض لها. ووعدت الحريري غريب بأنها ستكون كما عهدوها دائماً إلى جانب قضاياهم ومطالبهم وستسعى جاهدة مع المعنيين من أجل تحقيقها. وقد أبلغ غريب الحريري بأنّه سينقل تمنياتها هذه إلى هيئة التنسيق لاتخاذ ما تراه مناسباً.

المواقف الفعلية للأحزاب

الوزير بو صعب أخذ الغطاء من كل الكتل السياسية، أو هذا ما قاله في مؤتمره الصحافي. وقال عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب آلان عون، إنّ الوزير وضع الكتلة السياسية التي ينتمي إليها في أجواء مراحل مناقشة القرار، لافتاً إلى أن كتلته وافقت مرغمة على الخطوة بهدف أساسي هو تحرير الطلاب وتسيير أمورهم لدخول الجامعات. ويؤكد عون أن «ضميرنا مرتاح لكوننا لم نراوغ في كل المحطات التي مرت بها السلسلة وتمسكنا بمطالب المعلمين حتى الرمق الأخير ولم نتراجع عنها قيد أنملة».
جبهة النضال الوطني لن تعارض هي الأخرى قرار الوزير الذي وصفه الأمين السر العام للحزب ظافر ناصر بـ«أبغض الحلال». وأوضح أن مفوض التربية في الحزب سمير نجم، أبلغ الوزير بأننا نرفض الإفادات بالمبدأ، لكننا سنقبل بها في نهاية المطاف إذا سدت كل السبل، وخصوصاً أن البلد يمر بمرحلة دقيقة ولا يجوز أن يبقى وضع الطلاب معلقاً إلى ما لا نهاية.
عضو كتلة المستقبل النيابية النائب محمد الحجار، قال هو الآخر إنّ كتلته كانت تتمنى أن لا تصل الأمور إلى هذا الحائط المسدود، وكانت تفضل أن تعود هيئة التنسيق إلى التصحيح وتجنّب الطلاب والبلد هذه الكأس المرة التي تذكرنا بأيام الحرب. ولفت إلى أنّ الإفادات هي أهون الشرور، إذ ليس أمام الوزير خيار آخر، بغض النظر عن المقاربات التي رافقت مناقشات سلسلة الرواتب. ويؤكد أن كتلته ستتابع الحوار وتضغط بشكل أو بآخر في الساعات المقبلة على هيئة التنسيق من أجل العودة إلى التصحيح.
«بالعين الموس»، هكذا علّق عضو كتلة التنمية والتحرير النائب علي خريس على قرار إعطاء إفادات، مشيراً إلى أنّ الأمر لا يعدو كونه «مسكناً» لتسهيل أمور الطلاب، «إلا أننا ككتلة كنا نفضل إقرار السلسلة وعودة الأساتذة إلى التصحيح لإعطاء الطلاب شهادات رسمية».
ولم تأخذ كتلة الكتائب النيابية موقفاً نهائياً من قرار منح الإفادات، إلّا أنّ عضو الكتلة النائب سامر سعادة، رأى أن استبدال الشهادات الرسمية بالإفادات، وإن كان غير مستحب، إلّا أنّه الحل الوحيد المتاح أمام وزير التربية بعدما وصل إلى حائط مسدود في مفاوضاته مع هيئة التنسيق «التي لا يحق لها أن تأخذ الطلاب رهائن بسبب تقاعس الدولة عن القيام بواجباتها نتيجة الأزمات المتتالية التي تعصف بالبلاد».
القوات اللبنانية، بحسب مصادر فيها، أبلغت الوزير بو صعب منذ البداية أنها تقف مع قرار الإفادات إن لم تتراجع هيئة التنسيق عن قرار المقاطعة.
وحده حزب الله اتخذ موقفاً منسجماً مع ما يعلنه، وقال عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض: «إننا لم نوافق على إعطاء إفادات للطلاب، وما زلنا مصرين على الشهادة الرسمية».




الموقف التربوي


ليس لإفادة النجاح أي قيمة تربوية حقيقية، كما يقول لـ«الأخبار» الباحث التربوي د. عدنان الأمين، فهي تساوي بين الجميع «الكل يملك شهادة وما حدا أحسن من حدا». تكمن الخطورة بصورة أساسية، بحسب الأمين، في المرحلة الجامعية، إذ يعزز القرار الاستفادة المادية للجامعات الخاصة، لكونها لا تخضع المنتسبين إليها لمباريات دخول، كذلك سيتعذر على بعض كليات الجامعة اللبنانية التي لا ينص نظامها على مباراة الدخول انتقاء الطلاب. مع ذلك، يرى الأمين أن الإفادة شر، وإن كانت أحسن الشرور، لكونها ستحل مشكلة طلاب ينتظرون تصحيح امتحاناتهم وتقرير مصيرهم، بالنظر إلى أن نسبة الطلاب المرشحين لدخول الجامعات لا يستهان بها.