أعطى السجال السياسي والإعلامي بين تيار المستقبل والجماعة الإسلامية في طرابلس، الذي اندلع قبل أيام، انطباعاً بأن العلاقة بين الطرفين متأزمة إلى حدّ قد يدفع بهما إلى الافتراق، وربما الاصطدام سياسياً، وهو ما بدأت بعض ملامحه بالظهور. هذه القضية برزت على السطح الأسبوع الماضي، بعد تصريح أدلى به منسق تيار المستقبل في طرابلس النائب السابق مصطفى علوش حول ما يحصل في قطاع غزة، سأل فيه عن الفائدة التي تجنيها حركة حماس بإطلاقها صواريخ باتجاه الأراضي المحتلة.

وردّ على علوش المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في طرابلس والشمال المحامي حسن الخيال بسؤاله «هل الاستهزاء المستمر والتخفيف من قدرات وفعالية المقاومة الفلسطينية يضران بإسرائيل أم ينفعانها؟».
استدعى ذلك توضيحاً من علوش رأى فيه أن «الحملة التي خاضها أحد الشباب الجدد في (الجماعة) السياسة ضدي، تهدف إلى التصويب مباشرة على تيار المستقبل من أجل فكّ التحالف السياسي القائم معه»، وهو توضيح ردّ عليه الخيال أمس بنفيه أن تكون الجماعة «تبنّت أي حملة ضده، أو تنصّلت منها».
خلفيات الاشتباك السياسي بين التيار والجماعة ليس خافياً أنها تعود إلى تباين في موقف الطرفين من أحداث مصر، إذ إن الجماعة التي تعدّ امتداداً للإخوان المسلمين في لبنان، أصيبت بخيبة قوية بعد الانقلاب على الرئيس السابق محمد مرسي، مقابل وقوف التيار وتأييده «الثورة» التي أطاحت الإخوان ومرسي معاً قبل أكثر من سنة، التزاماً بموقف السعودية.
هذا التأييد المستقبلي للنظام الجديد في مصر الذي ولد على أنقاض الأخوان، رأت فيه الجماعة تناقضاً في مواقف التيار الأزرق من «ثورات الربيع العربي»، وهو ما أشار إليه الخيال في ردّه، من أنه على التيار «أن يدرك أن شعارات الحرية والديمقراطية لم يعد ممكناً أن تستخدم في مكان، ويداس عليها في مكان آخر».
لكن الموقف المتباعد بين «الرايات الخضراء» والتيار الأزرق من أحداث مصر، ليس السبب الوحيد للتصدع الذي يشوب العلاقة بينهما، إذ تبين أن استحقاق انتخاب مفتٍ جديد للجمهورية دخل كعامل إضافي في تباعدهما، فضلاً عن قضايا تفصيلية داخلية أخرى، ما أكد النظرة إلى تحالف الطرفين سابقاً على أنه ظرفي وانتخابي، نظراً إلى التباين الواسع بينهما في أغلب الملفات الداخلية والخارجية.
ففي موضوع انتخاب مفتٍ جديد، وجدت الجماعة نفسها وحيدة، من غير أن يكون لها دور أو رأي في الموضوع، خصوصاً بعدما وجدت أن تيار المستقبل ومعارضيه داخل الطائفة السنيّة قد توافقوا على «تزكية» الشيخ عبد اللطيف دريان خليفة للمفتي محمد رشيد قباني، وبمبادرة مصرية كان للأزهر والقيادة المصرية الجديدة دور في التوصل إليها بعد مساع منهما. وأثار هذا الاتفاق حساسية الجماعة بشكل أكبر، ودفعها إلى «التحالف» مع هيئة العلماء المسلمين، التي وجدت نفسها أيضاً خارج الصورة.
هذا التطور دفع مصادر في تيار المستقبل إلى التوضيح لـ«الأخبار» أن «الخلاف بيننا وبين الجماعة حول موضوع مصر أكيد، ولكننا ضد نشوب سجال بخصوصه، إذ يمكن لكل طرف الاحتفاظ برأيه ومناقشة الرأي الآخر واحترامه، بعيداً عن الردح الإعلامي الذي لا مبرر له». وإذ أشارت المصادر إلى أن نائب الجماعة عماد الحوت يشارك في لقاءات التيار ونشاطاته، فإنها فضّلت وضع السجال «في نطاقه الضيق، لأن قيادة الجماعة أو أي مسؤول فيها لم يصدر عنهما تصريح أو موقف يؤيد الخيال».
وبالنسبة إلى انتخابات مفتي الجمهورية، وخلاف الجماعة مع التيار حوله، ردّت المصادر الزرقاء بأنه «إذا وقع خلاف بيننا، فما على الجماعة سوى جمع أصواتهم التي يجدونها كافية في الهيئة الناخبة للمفتي، وانتخاب مفتٍ جديد، وإذا فاز فنحن مستعدون لللاعتراف به وتهنئته!».