هل اخطأت القوات اللبنانية في عدم مشاركتها في الحكومة؟ هذا السؤال طرح في الايام الاخيرة التي شهدت حركة حكومية مكثفة عالجت ملفات عالقة بين اقطاب الحكومة، مثل تثبيت الأساتذة وتعيين العمداء في الجامعة اللبنانية. وسبقت ذلك سلة تعيينات مدراء عامين ومحافظين، جرى تقاسمهم في توزيعات طائفية وحزبية بين القوى السياسية داخل مجلس الوزراء.
في الشكل تبدو القوات الخاسر الوحيد من عدم مشاركتها في حكومة ضمت كل حلفائها واخصامها. كان واضحا منذ البدء ان تأليف الحكومة جاء كربط نزاع بين طرفين سني وشيعي، فآثرت القوات ان تبقى خارجها، مصرة على التمسك بانسحاب حزب الله من سوريا، وبتضمين البيان الوزاري اعلان بعبدا. وكان واضحا ايضا ان الحكومة لم تؤلف بتوافق إيراني ــــ سعودي، الا لأنه لا انتخابات رئاسية في المدى المنظور، ولا تمديد للرئيس ميشال سليمان. هنا يكمن خطأ القوات في الابتعاد عن السلطة التنفيذية، بعدما تحول مجلس الوزراء حاكما بأمره، بعد الشغور الرئاسي.

تؤكد القوات
ارتفاع نسبة
شعبيتها بحسب
إحصاءات مدروسة

فالحكومة باشرت عملها بسلسلة تعيينات في الادارة وفي الجامعة اللبنانية، وهي اتت لتعيد تشكيل الجسم الاداري بعد جمود دام اعواما، وتعالج ملفات لم تستطع الحكومات الاخيرة، بما فيها حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ذات اللون الواحد، مقاربتها، الا ان القوات صارت عمليا خارج الادارة «الجديدة» التي اعيد تأسيسها وتوزعت حصصها مسيحيا بين حلفائها وأخصامها.
كما انه اخذ عليها انها ابعدت نفسها عن ملف الجامعة اللبنانية التي اسست فروعها الثانية، وعن تعيينات المدراء والعمداء فيها. ومع تسلم الوزير جبران باسيل وزارة الخارجية، وتولي الوزير الياس ابو صعب مهمات وزارة التربية، بدت كفة الميزان راجحة شعبيا وخدماتيا للتيار الوطني، في وقت تبدي فيه اوساط في قوى 14 آذار ملاحظات على اداء نواب قواتيين خدماتيا وشعبيا في عدد من المناطق، اضافة الى انسحابهم شبه التام من الحضور الاداري.
ولأن تعيينات كهذه لا يمكن ان تتغير بسهولة في ظل اي عهد جديد، ثمة من يعترف «بأن ما حصل من خسائر هو ثمن قرار القوات عدم المشاركة في الحكومة. اذا كانت القصة فقط قصة مغانم، فالاكيد ان القوات خاسرة»، ولا سيما ان حصصها المفترضة توزعت على منافسيها المسيحيين الكتائب والتيار الوطني الحر والمستقلين والمستقبل.
لكن في السياسة تبدو المعادلة المعكوسة هي الاقرب لمن يقرأ في فكر القوات، ويطلع على نقاشات تدور في صفوف 14 آذار.
ثمة من يقول إن القوات «ربحت في السياسة ما خسرته في التعيينات. اذ إن الحكومة لم تتمكن من القيام باكثر من ادارة الازمة، وتركت كل الملفات الحساسة والشائكة الى معالجة مستقبلية». في النقاشات المطولة قراءة مختلفة «فالتسرع في تأليف الحكومة اضاف عراقيل إلى ملف الرئاسة. ولو مشى حلفاء القوات ممن دخلوا الحكومة مع جعجع في تأييده رفض مشاركة حزب الله في الحكومة قبل انسحابه من سوريا، وفي الاصرار على اعلان بعبدا، لكانت قوى 14 آذار قد تمكنت حكما من انتخاب رئيس للجمهورية، او التمديد للرئيس ميشال سليمان، كما كان يرغب البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي، ومن ثم تأليف حكومة جامعة».
وبحسب هذه النقاشات، فإن «حزب الله كان في امسّ الحاجة الى تأليف الحكومة وباي ثمن، تفاديا للصراع السني ــــ الشيعي، وهو ما امنه له سنياً وجود الوزيرين اشرف ريفي ونهاد المشنوق. وكان يفترض نتيجة ذلك بقوى 14 آذار ان تذهب الى المعركة السياسية حتى النهاية، فتلعب على شفير الهاوية بدل لعبة ربط النزاع. لانه كان يمكن بنتيجة ذلك ان توصل رئيسا للجمهورية من احد قادة 14 آذار وليس بالضرورة من القادة الموارنة الاربعة».
لكن هل تكفي المعادلة المعكوسة للقول إن القوات كانت على حق، وإنها حققت ما تريده سياسيا؟
الربح الاساسي للقوات، عدا عما حققته من ارتفاع في نسبة شعبيتها بحسب احصاءات مدروسة، هي انها ترتاح لما حققته من نجاح في ادارة معركة رئاسة الجمهورية. وبرغم كل ما قيل ويقال من جانب سياسيين وروحيين، يطمئن رئيس القوات سمير جعجع الى حسن ادارته معركة رئاسة الجمهورية. اعلن ترشّحه بوضوح، نزل الى جلسة الانتخاب، وحصل على 49 صوتا. وحين وصلت الامور الى الحائط المسدود فتح ثغرة في الجدار المقفل، وقدم مبادرة واضحة بالاستعداد للبحث والاتفاق على مرشح توافقي كي يسحب ترشيحه.
بعد هذه المبادرة انتظر جعجع كلام الرئيس سعد الحريري، فأتى متجاوبا معه، الامر الذي ارخى جوا من الاطمئنان في صفوف القوات وحلفائها، الى انه يمكن لمسار الانتخابات الرئاسية ان يصبح اولوية مجددا، وان يتقدم على ما عداه من ملفات، بما فيها التمديد للمجلس النيابي، الذي بات محسوما.
وتقول مصادر في قوى 14 آذار لـ «الاخبار» إنه بعد مبادرة جعجع وكلام الحريري بدأت مفاوضات جدية وحقيقية حول موضوع الرئاسة، و«تعطيل» العماد ميشال عون الانتخابات، من جانب المستقبل والقوات مع الرئيس نبيه بري، ومع النائب وليد جنبلاط، الذي التقط «اشارة محددة» زار إثرها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله وبري، للبحث في الملف الرئاسي. وفي ظل هذه المفاوضات تعوض القوات من خلال أدائها دورا محوريا، عن خسارتها الحكومية، لان الاولوية بالنسبة الى جعجع لا تزال كما كانت قبل اشهر، اجرء الانتخابات الرئاسية بأي ثمن.