الولدُ الصغير، الولد ذو السنوات الثلاث وثلاثة أشهر ويومين، الولدُ الذي لا يزال يتناولُ وجْبَتَهُ بالرضّاعة...؛كلما أبصرَ كتلةً معدنيةً غامضة، يصرخ:- دبّابة!
- ولكنّها ليست دبّابة.
- طائرة!
- وليست طائرةً أيضاً. الطائراتُ تلعب فوقُ في السماء.
- إذنْ هي طائرة وقعَتْ بنارِ بارودة.
- البارودة ليس فيها نار.

- نعم. فيها نار. ونار البارودة تصيب الأولادَ هنا... (ويدلُّ إلى مؤخّرته).
ولدٌ لا يزال يتناول وجبتَهُ بالرضّاعة.
ولدٌ اِسمهُ : «وَرْد».

■ ■ ■



«سلمى»، شقيقتُهُ التوأم، التي لم تتعلّم بعدُ كيف تلفظ: طائرةْ، ودبّابةْ، وبارودةْ، ونار في «الخلفْ»... تكتفي بفتحِ عينيها وفمها وتُبحْلقُ ساكتة. ساكتةً سكوتَ طفلٍ عاديّ لا يعرف أجناسَ المعادن.
المترجمُ الحصيف، المترجمُ العارفُ بالأفكار وحَدَقاتِ الأعين وصمتِ الألسنة، يستطيع إعرابَ ما تقولهُ عيناها النبيَّتان، عيناها اللتان أذكى من عيني إلهٍ رضيع، عيناها المليئتان بظلالِ الدبّابات والطائرات والبواريد التي...؛ المترجمُ الحصيف يستطيع إعرابَ ما تقولهُ عيناها بالكلماتِ الصغيرةِ التالية:
آه يا جَدّو! كم أنا خائفةٌ من هذا العالم!
المترجمُ الحصيف، إذْ هو طفلٌ عتيق، يعرف كيف يُحلِّلُ رموزَ الكائناتِ المعدنية.
المترجمُ الحصيف
أوّلُ ما يتعلّمهُ: ترجمةُ كلمةِ «خائف».

■ ■ ■



آهٍ يا «ورد»!
مِن أيّ قاموسٍ بربريّ، وفي أيّ أكاديميةِ وحوش، تَزَوّدْتَ بهذه الثروةِ الوفيرةِ من أسماءِ آلاتِ الموت؟
آهٍ يا «ورد»... يا ابنَ حياتنا المبَدَّدةْ!
.. .. ..
آهٍ يا «ورْد»!
آهٍ لو كان بإمكاني...
لو كان بإمكاني أنْ...
لو كان بإمكاني إقناعُكَ
أنّ الدبّابةَ عُمِلتْ في الأصل
لخدماتِ الأعراس
ونُزُهاتِ شهور العسل
وإيصالِ الأولاد مِن أمثالك
إلى دُوْرِ حضانةِ القدّيسين.
.. .. ..
آهٍ يا ورد! آهٍ يا سلمى!
10/10/2012