احتفلت الأمم المتحدة، أول من أمس، باليوم العالمي لمناهضة الاتجار بالبشر، وهذه هي السنة الأولى التي يحتفل بها بهذا اليوم، بالتزامن مع مرور عقد على ولاية المقرر الخاص المعني بجوانب حقوق الإنسان لضحايا الاتجار بالأشخاص، ولا سيما النساء والأطفال.
وبحسب بيانات الأمم المتحدة، فإن عدد ضحايا الاتجار بالبشر يبلغ 2.5 مليون شخص، وهم يدرّون أرباحاً تقدّر بـ 32 مليار دولار على المستوى العالمي، وتحتل هذه الجريمة المرتبة الثالثة على مستوى أكثر الجرائم ربحاً بعد تجارة المخدرات والسلاح. في المقابل، أعلنت مفوضة الاتحاد الأوروبي للشؤون الداخلية سيسيليا مالمستروم أن «الاتجار بالبشر يدرّ أرباحاً هائلة للمجرمين تصل إلى 111 مليار يورو على مستوى العالم جراء العمل القسري، ومن بينه الاتجار بالبشر».
وتخص هذه الجرائم بشكل رئيسي النساء، بنسبة 80%، فيما تخص الأطفال بنسبة تتراوح بين 15 و20%. وأوضحت الأمم المتحدة أنه لا بد من مساعدة الضحايا حتى يستردوا حقوقهم وينصهروا من جديد في المجتمع، وأن الصندوق الإنمائي للأمم المتحدة يعمل على توفير هذه المساعدة، لكنه يحتاج الى المزيد من التمويل، ودعت الى دعم الحملة التي تقوم بها لتمويل الصندوق، تحت شعار «انظروا بعين الرحمة إلى ضحايا الاتجار بالبشر».
وكانت الأمم المتحدة قد اعتمدت في عام 2010 خطة عمل عالمية لمكافحة التجارة بالبشر، وحثت الحكومات على اتخاذ إجراءات ملموسة لمجابهة هذه الظاهرة. وتبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 13 كانون الأول 2013 القرار 68/192 حول تحسين تنسيق الجهود المبذولة لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وقرّرت بالمناسبة الاحتفال بالثلاثين من تموز كيوم عالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص.
ويكمن الدافع وراء اختيار هذا التاريخ في أن خطة الأمم المتحدة العالمية لمكافحة الاتجار بالأشخاص ـــ وهي الوثيقة العالمية الشاملة الأولى في ما يتعلق بقضية التصدي لهذه القضية ـــ قد أُقرّت في الثلاثين من تموز سنة 2010.
وتتشابك جريمة الاتجار بالبشر مع جرائم أخرى، كالاستغلال الجنسي والاتجار بالأعضاء، والاتجار بالمخدرات والسلاح، وغسيل الأموال والإرهاب، وتهريب المهاجرين وغير ذلك من أعمال إجرامية.
وأطلق مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان حملة إعلامية اجتماعية عبر هاشتاغ igivehope#. وتشجع الحملة على التعبير عن التضامن مع ملايين المتضررين من هذه الجريمة.
انضم لبنان عام ٢٠٠٥ إلى البروتوكول الثاني المكمِّل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة عبر الوطنية الخاص بمنع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال. لكن الانضمام بقي حبراً على ورق، الى أن صدر القانون رقم 164 حول معاقبة جريمة الاتجار بالأشخاص الذي نشر في أيلول 2011. ولقد أدخل بموجب هذا القانون فصل جديد إلى الباب الثامن من الكتاب الثاني من قانون العقوبات بعنوان «الاتجار بالأشخاص».
وتعرض لبنان لضغط دولي من أجل إقرار هذا القانون، ولا سيما من جانب الولايات المتحدة الأميركية التي تهدد بفرض عقوبات على الدول التي لم تشرّع قوانين لمناهضة الاتجار بالأشخاص.
ويعدّ ملف العاملات المنزليات في لبنان من أكثر الملفات التي يتم ربطها بجريمة الاتجار بالبشر، حيث يتعرضن للاستغلال على شكل عمل إكراهي. وهن يعانين أحياناً من الشروط المشابهة للاستعباد. وهناك إقرار واسع بضعف الإطار القانوني وآليات تطبيق القانون، وبأن مسائل التمييز لا تعالج بالشكل المناسب. ويتبين من التحقيقات التي يشرف عليها القضاء أن المكونات الجرمية الرئيسية في القضايا المرتبطة بالعاملات المنزليات هي الإساءة المعنوية والجسدية والتعنيف المنزلي وعدم دفع المستحقات، وصولاً الى الاغتصاب، ويسجل العديد من حالات الانتحار لعاملات نتيجة سوء المعاملة التي يتعرضن لها.

الاتجار بالبشر يدرّ أرباحاً هائلة للمجرمين تصل
إلى 111 مليار يورو

ووقعت الحكومة اللبنانية عدداً من مذكرات التفاهم مع جمعيات غير حكومية لإنشاء «بيوت الأمان» ﺑﻬدف إيواء ضحايا الاتجار بالبشر الإناث بشكل مؤقت ريثما يتمّ تأمين عودﺗﻬن الطوعية إلى بلادهن، إضافة إلى العمال الأجانب الذين يقعون ضحية للاستغلال.
وزارت، سيغما هدى، المقررة الخاصة المعنية بجوانب حقوق الإنسان لضحايا الاتجار بالأشخاص، لبنان في شباط عام 2005، ونشرت تقريراً عن زيارتها ولا يزال العديد من توصياته غير منفذة الى اليوم.
ويشير التقرير الى أن لبنان بلد عبور وبلد وجهة ﻧﻬائية لأعداد ضخمة من العاملات المهاجرات اللاتي يتم الاتجار بكثير منهن لاستغلالهن في العمل. كما أنه بلد وجهة ﻧﻬائية وبلد عبور للنساء الأجنبيات اللاتي يتم استغلالهن في صناعة الجنس، هذا عدا عن مشكلة الاتجار بالأطفال في لبنان.
ولا يسري قانون العمل لعام ١٩٤٦ على النساء العاملات في قطاع صناعة الجنس، وذلك بالرغم من عقود العمل التي تبرمها النساء العاملات كـ«راقصات في النوادي الليلية» أو «عارضات أزياء» أو «مدلكات» وحصولهن على تأشيرة عمل بصفتهن «فنانات». وينتهك لبنان بكل وضوح القواعد الدولية الواجبة التطبيق، في الإجراءات الإدارية المطبقة على العاملات في قطاع صناعة الجنس، حيث يحظر عليهن الزواج أثناء فترة إقامتهن في لبنان ويمكن إبعادهن إذا تزوجن.
وفاقمت أزمة النزوح السوري الى لبنان من قضية الاتجار بالبشر، حيث تحدثت بعض التقارير عن نمو التجارة بالأعضاء البشرية والدعارة السرية. ويتم الاتجار بعدد كبير من الأفراد، وبخاصة النساء العاملات في الخدمة المنزلية، وكذلك بكثير من النساء الأجنبيات العاملات ويجبرن على ممارسة الدعارة. هذا فضلاً عن تعرض عدد كبير من الأطفال النازحين واللبنانيين للاتجار ﺑﻬم واستغلالهم.

يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر | http://about.me/bassam.kantar