مع انتهاء الشهر الحالي يدخل متعاقدو وزارة الشؤون الاجتماعية، العاملون ضمن مشروع «الاستجابة للحالة السورية»، شهرهم السابع من دون تقاضي رواتبهم. أكثر من 60 شخصاً وعائلة يعيشون يوميا على أمل تحصيل حقهم بتقاضي مستحقاتهم واجورهم، بعدما استبشروا خيراً بالحصول على وظيفة في ظل البطالة المسيطرة والأوضاع الاقتصادية السيئة.
ليست هذه المرة الأولى التي تتأخر فيها معاشات هؤلاء. اعتادوا التأخير وامتهنوا الصبر إلى جانب عملهم. أربعة أشهر هي المدة القصوى لانتظارهم الحصول على رواتبهم، مدة قبلوا بها بغية الحفاظ على مدخولهم الوحيد. أمّا أن يدخلوا شهرهم السابع من دون الحصول على ليرة واحدة، فهذا أمرٌ «لم يعد يُحتمل» بالنسبة إليهم وإلى عائلاتهم . معاناة غاندي أحد المتعاقدين مع الوزارة في البقاع الغربي، لا تقتصر فقط على تأمين لقمة العيش، بل تتعداها لعارض صحي طارئ يتطلّب عملية مستعجلة لا يمكنه إجراؤها من دون أن يقبض رواتبه المتراكمة بأسرع وقت. آخر راتب حصل عليه كان في شهر كانون الأول من العام المنصرم، يقول «أريد حقي لا أكثر ولا أقل.

مدير المشروع
«لا يريد إعطاء المتعاقدين أهمية»

في اليوم الذي أحصل فيه على راتبي سأقدّم استقالتي لأن الوضع أصبح مقرفاً»، فضلاً عن التأخير الحاصل في الدفع لا يحصل هؤلاء على مستحقاتهم الكاملة عند توافر الأموال، بل يُدفع شهران أو ثلاثة أشهر فقط من عدد الأشهر المتراكمة. حججٌ عدّة أُعطيت لهم لتبرير التأخر في الدفع، «البعض يقول لنا إنه ما من اعتمادات، والبعض الآخر يتحدّث عن روتين إداري»، بينما السبب الفعلي يبقى مجهولاً لديهم. مدير المشروع مكرم ملاعب يرفض شرح أسباب التأخر في دفع رواتب المتعاقدين، فهو «لا يريد إعطاءهم أهمية»، بحسب ردّه على اتصال من «الاخبار» للاستيضاح. يشكو المتعاقدون من طريقة تعامل ملاعب معهم، الذي لا يرد على اتصالاتهم ولا يهتم لمصيرهم.
يعترف وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس بحق هؤلاء ومناشداتهم بقبض رواتبهم، لكن الموضوع «غير عالق في الوزارة». الأموال المخصصة لهذا المشروع غير متوافرة حالياً، وفق كلام الوزير «حصل تأخير في تأمين الهبات وبت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والجهات المانحة لها، هي التي أخذت وقتاً طويلاً في دراسة الميزانية ونحن على تواصل دائم معها من أجل التسريع في عملية التمويل». يسير الموضوع وفق الآلية المتفق عليها بين اللجان المانحة والوزارة، إلّا أنّ قرب بت الميزانية لا يعني أنّ المتعاقدين سيقبضون رواتبهم فوراً «هناك إجراءات روتينية يجب القيام بها، وهذا لا يُعد تأخيرا. بعد إرسال الجهات المانحة للهبة، على مجلس الوزراء أن يوقّع قبولها، من ثم تُحوّل إلى وزارة المالية، التي تتبع آلية لضمان الشفافية تُبطئ العمل، ويجري إدخال الأموال إلى حساب وزارة الشؤون الاجتماعية في مصرف لبنان، لتُوزّع لاحقاً على المتعاقدين». لم يقتنع العديد من المتعاقدين بهذا التبرير. يستغرب نبيل، أحد المتعاقدين العاملين في المشروع منذ سنة، السبب المُعلن «ما هذه الآلية التي تحتاج إلى أكثر من سبعة أشهر لتنتهي!». كثيرون يعتزمون ترك عملهم عند حصولهم على مستحقاتهم، لأن الثقة بالوزارة لم تعد موجودة. هذا الأمر يُخيف الوزير درباس، الذي يؤكّد أنّ استقالة هؤلاء ستؤدي إلى تعثّر المشروع بأكمله «هؤلاء الموظفون كلّفوا الوزارة الكثير من أجل تدريبهم وتكوين خبرات لديهم، وإذا تركوا عملهم فمن الممكن أن يتوقف المشروع».
من خلال الاطلاع على عقود المتعاقدين، يتبيّن أنّ الوزارة قامت بلعبة قانونية تحميها من أي مساءلة في التأخّر بدفع الرواتب. مدة العقد الموقّع مع الوزارة هي سنة واحدة قابلة للتجديد. في العام الفائت نصّ العقد على مبلغ إجمالي يُدفع على أقساط شهرية متساوية. أمّا في العقد الموقّع هذه السنة، فألغي النص الذي يقول بتقسيم المبلغ على أشهر السنة، وإبقاء المبلغ الإجمالي فقط، الذي يجب دفعه سنوياً للمتعاقد، وبالتالي ليس هناك أي نص قانوني يُلزم الوزارة بدفع الرواتب بصورة شهرية.
أحد المتعاقدين المطلعين على ملف المشروع يلفت إلى أنّ «العقد بين الجهات المانحة والوزارة يقوم على دفع ميزانية المشروع على دفعتين خلال السنة، أمّا السنة، فتمتد حتى شهر تشرين الثاني، أي إنّ شهر كانون الأول يُعدّ ضمن السنة الجديدة». يُكمل «في أوّل نيسان من هذا العام، حصلت الوزارة على الدفعة الأولى من الجهات المانحة، وأُعطي منها للمتعاقدين راتب شهر واحد فقط، هو كانون الأول من عام 2013. من المتوقع أن تحصل الوزارة على الدفعة الثانية قريباً، بعد صرف 70% من الدفعة الأولى». العام المنصرم حصل أيضاً تأخير في الدفع، لكن لأسباب مغايرة «السنة الماضية كان هناك أموال من الجهات المانحة، لكن حصلت مشاكل إدارية بين وزارتي الشؤون والمال، فبقيت الأموال في المصرف لما بعد انتهاء السنة. وبالتالي لا تستطيع وزارة المال صرف هذه الأموال لأنها ضمن ميزانية العام الفائت. جرى تحويل الأموال من موازنة عام 2013 إلى 2014، وأُعطيت رواتب المتعاقدين، ما أدّى إلى حصول التأخير».