تتوقف اوساط سياسية مطلعة عند موعد 12 آب الذي حدّده الرئيس نبيه بري لانعقاد مجلس النواب، ليس بصفته موعداً حاسماً لانتخاب رئيس الجمهورية، انما باحتمال ان يكون مؤشراً اولياً الى الحركة المستجدة على خط الرئاسيات، على ضوء رصاصة الانطلاق التي اطلقها الرئيس سعد الحريري للسباق الرئاسي.
في الشكل يأتي الموعد الجديد بعد انفراط جلسة الاربعاء، موعداً تلقائياً اعتاد بري تحديده بعد اول جلسة عقدها مجلس النواب في 23 نيسان الفائت، لكن في السياسة، يفترض ان يأتي انعقاد الجلسة المقبلة، بعد الاتصالات التي يزمع الحريري إجراءها وفق ما اعلن في خطابه الاخير، والتي بدأها امس الرئيس فؤاد السنيورة ونادر الحريري بزيارة رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع. المقربون من الحريري يجزمون بأن حركة الاتصالات ستنشط تدريجاً بعد عطلة الفطر، وتصبح مكثفة عشية انعقاد جلسة 12 آب، بحيث تظهر فيها ملامح اولية عن اتجاهات قد تكون جديدة في الملف الرئاسي. رغم ان مشككين في حركة الحريري لا يزالون على عدم تفاؤلهم في قدرته على اجتراح معجزات في هذه المهلة القصيرة، بحيث تؤدي المفاوضات الى حلحلة قريبة. ويرون ان كلامه مجرد زوبعة في فنجان الرئاسيات.
لكن اوساطاً سياسية مطلعة ترى ان جلسة الانتخاب المقبلة ستعقد وسط مؤشرات اقليمية ودولية يفترض ان تسهم في دفع الملف الرئاسي، بعدما بات الحديث عن المرشحين التوافقيين وحده عنوان الاتصالات الاقليمية، التي يشارك فيها سفراء وديبلوماسيون من دول اوروبية وعربية، ودخلت عليها في الساعات الاخيرة احدى الدول الاوروبية الفاعلة بطريقة غير معلنة.

ملامح صفقة تلوح
في اجراء مقايضة بين جلسة التمديد وجلسة سلسلة الرتب

وفي هذ الاطار، تتقدم اسماء مرشحين على مرشحين آخرين، تبعا للنقاط التي توضع لمصلحة هذا المرشح او ذاك، او ضده. وبرغم اعتراف المعنيين بأن القرار الاقليمي والدولي هو الذي سيرجح اولاً وآخراً هوية الرئيس العتيد، الا ان الحركة الداخلية للقوى السياسية، او حتى للمرشحين المفترضين، تبدو ايضاً مساهمة في تعويم اسماء على حساب أخرى،على قاعدة ان القرار الدولي بدأ يستمزج ايضا آراء زعماء الكتل السياسية في مفاضلتهم بين مرشحين محددين او اكثر. من هنا تبدو حركة الحريري مهمة اذا ما كتب لها ان تستمر. اما انكفاؤها، او حتى عدم الاقلاع بها، فيعني ترحيل ملف الرئاسيات الى السنة المقبلة، مع كل ما يحمله ذلك من تهديدات للوضع الداخلي.
ومفارقة استحقاق 12 آب ليست فقط في رسمه ملامح اولية لاتجاهات رئاسية قد تتبلور تباعاً حتى مطلع ايلول، بل لانه يتزامن ايضا مع الموعد المفترض لصدور مرسوم دعوة الهيئات الناخبة في 20 آب، الذي يوقعه دستورياً رئيسا الجمهورية والحكومة.
مع هذا الموعد ستنكشف في شكل واضح لا لبس فيه المواقف الحقيقية للقوى السياسية من اجراء الانتخابات النيابية، اذ سيضطر وزراء حزب الله والنائب وليد جنبلاط والمستقبل وامل والكتائب وتكتل التغيير والاصلاح والمردة والطاشناق والمستقلين الى تحديد موقفهم من اجراء الانتخابات، عبر توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، الذي يفترض بحسب الالية المستحدثة بعد الشغور الرئاسي، ان يوقعه الوزراء الاربعة والعشرون. واذا كان رأي وزراء التكتل معروفاً من تأييد الانتخابات النيابية، فان السؤال هو ما سيكون عليه مصير المرسوم إذا تمنّع عن التوقيع اي وزير يرغب في عدم اجراء الانتخابات وتفضل كتلته السياسية التمديد للمجلس النيابي. فهل سيوقع وزراء التقدمي الاشتراكي او حتى حزب الله، الذي يفترض واقعيا ألا يصوت لاجراء لانتخابات في عز انغماسه اليوم في حرب سوريا.
والسؤال الثاني هو أن البعض يحاول الفصل بين مرسوم دعوة الهيئات الناخبة واقتراح التمديد للمجلس النيابي، وكما تردد مصادر وزارية فان ملامح صفقة بدأت تلوح في اجراء مقايضة بين جلسة التمديد وجلسة سلسلة الرتب والرواتب، لكن على افتراض ان سيناريو التمديد الذي حصل في حزيران عام 2013 تكرر نفسه اليوم، واقترح نائب او عشرة نواب التمديد وصوت عليه النواب الراغبون في التمديد لانفسهم، فما سيكون عليه مصير قانون التمديد، الذي يجب ان يحال على رئيس الحكومة لتوقيعه، كما حصل سابقا حين وقعه الرئيس نجيب ميقاتي وكان مستقيلا ووقعه رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان. فأي من الوزراء الرافضين مبدئياً للتمديد سيوقّعه. والسؤال الأكثر الحاحا هو ماذا سيكون عليه موقع عون سياسيا إذا قرر حلفاؤه السير بالتمديد داخل الحكومة وفي المجلس النيابي، ولا سيما انه حدد قبل يومين موقفه من ضرورة تقديم الانتخابات النيابية على الرئاسية.
بعد عطلة الفطر ستضطر القوى السياسية إلى ان تواجه نفسها وما رسمته في حزيران الفائت. وقد تكون اخطأت حين لم تمدد لنوابها اربعة اعوام او حتى الى 20 حزيران عام 2015، كما كان نص الاقتراح الاصلي، مفترضة ان مشاكل المنطقة وترتيب وضع سوريا والمفاوضات الايرانية مع الغرب (قبل انفجار قضية العراق وداعش) ستنتهي في غضون سبعة عشر شهرا، ما يتيح المجال امام انتخاب رئيس للجمهورية قبل انتهاء الولاية الممددة.
ما حصل هو العكس، والجميع اليوم امام استحقاقات متتالية. والخطر يكمن في عدم سلوك اي من الطريقين سبيله الى التنفيذ. فمن يخاطر في رفض التمديد للمجلس النيابي في ظل تعثر اجراء الانتخابات، ومع استمرار الشغور الرئاسي، ومن يجرؤ على تحمل تبعات انهيار النظام اللبناني حينها.