إلى الناقورة يتقاطر «العالم» عصر اليوم. سفراء الدول الكبرى والفريق الممثل للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان وممثلون للجيوش التي تسهم في قوات اليونيفيل وقادة الأجهزة الأمنية اللبنانية ومسؤولون رسميون ونواب وفعاليات، يجلسون تحت مظلة المقر العام للقيادة الدولية للاحتفال بتسليم الجنرال الإيطالي المنتهية ولايته باولو سييرا، قيادة اليونيفيل إلى مواطنه الجنرال لوتشيانو بورتولانو لولاية تمتد لعامين.
سييرا الذي رافقه خلفه في جولة تعارف على المراجع السياسية والعسكرية، يودع لبنان مساء لتسلم منصبه الجديد ضمن ممثلية بلاده في حلف شمال الأطلسي (الناتو). من الناتو جاء إلى الجنوب وإلى الناتو يعود، لكن تجربته الأولى في «حفظ السلام» خارج الفصل السابع علمته ضرورة «احترام المجتمعات التي تستضيف اليونيفيل وتفهمها بدورها لمهمتنا وقبولها لنا بينها. ما يعد من الأمور الأساسية لتنفيذ ولايتنا». مبادئ أسداها السلف كنصائح للخلف الذي خدم سابقاً في العراق والكويت وإيران والبلقان. فهل تكفي لتسير ولاية بورتولانو، الذي يهوى عزف البيانو، وفق القرار 1701 في ظل الأزمات الإقليمية، ولا سيما أن الأمم المتحدة أقحمت اليونيفيل فيها؟
منتصف شباط الفائت، تنادى ممثلو بعثات حفظ السلام في الشرق الأوسط (اليونيفيل ضمناً) إلى اجتماع في القاهرة برئاسة مساعد الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية جيفري فيلتمان. وسجل الحضور الأبرز لمنسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط روبرت سيري، والممثل الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة في بيروت ديريك بلامبلي، وسلفه البريطاني روبرت واتكنز (كان مرشحاً حينها لمنصب النائب المدني لقائد اليونيفيل). مصادر مواكبة لفتت إلى أن سييرا نأى بنفسه عن الحضور إلى جانب رؤساء البعثات الأخرى، بعدما علم بالأجندة السياسية الخالصة للاجتماع، التي تجلّت بخطاب جيفري فيلتمان المعادي للنظام السوري وحزب الله.


سييرا نأى بنفسه
عن الحضور بعدما علم بالأجندة السياسية الخالصة للاجتماع

في الظاهر، لم تغير الأمم المتحدة في سياستها ضد الحزب. لا يزال بلامبلي نفسه يلتقي مسؤوليه. واليوم وللمرة الثانية في تاريخ احتفالات اليونيفيل، يشارك الحزب بتنصيب قائد جديد. عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض، الذي حضر احتفال تنصيب سييرا، يعيد الكرة على شرف بورتولانو. علماً بأن سييرا طوال العامين ونصف العام التي أمضاها «لم يبادر إلى التواصل مع فياض وزملائه أو مع أي من مسؤولي الحزب، كما فعل قبله الجنرال الإسباني آلبرتو أسارتا» بحسب مصادر قريبة من الحزب. مع ذلك، لا يقطع الأخير، الذي وصلته أصداء اتفاق القاهرة 2، التواصل مع ممثلي الأمم المتحدة. قبل أيام من بدء العهد الأممي الجديد، استقبل فياض بلامبلي، الذي حمل إليه فور عودته من اجتماعات مجلس الأمن، المخاوف الأممية من تدهور الوضع الأمني جنوباً بعد عمليات إطلاق الصواريخ على فلسطين المحتلة، وإذ حاول انتزاع موقف سلبي للحزب ضد مطلقي الصواريخ، أكد فياض أن اسرائيل تتحمل مسؤولية ما يجري، مبدياً خشيته من أن «يترك الوضع الخطير في غزة تداعياته على الاستقرار».
ليست الصواريخ وحدها ما يقلق الأمم المتحدة وقواتها جنوباً. بحسب مصادر مطلعة على أجواء اللقاء، طلب بلامبلي من الحزب «بذل جهود أكبر مع حلفائه لمعالجة أزمة الشغور الرئاسي». أما «داعش»، فهو الخطر الأكبر في ظل التقارير الاستخبارية عن مخططات لاستهداف قوات اليونيفيل من قبل الجماعات المتطرفة. وقد عدّها الدبلوماسي الدولي «ظاهرة خطيرة ومهددة للاستقرار»، مبدياً تفهمه لشرح فياض كيف أن قتال الحزب في القلمون يحمي الداخل من الاستهداف.
بلامبلي ذو المهمة السياسية، كان يتحدث باسم قوات اليونيفيل أيضاً. تلك الأخطار برأيه، تحدق بها أيضاً. فلماذا تربط مهمة حفظ السلام نفسها بالأزمات السياسية الداخلية؟