اكتملت فصول الضغط على مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني. فبعد تحديد رئيس الحكومة تمام سلام 10 آب المقبل تاريخاً لانتخاب مفتٍ جديد للجمهورية، قدم ستة من أعضاء المجلس الشرعي الأعلى، الموالي لقباني، أمس، استقالاتهم بنحو مفاجئ في مؤتمر صحافي لـ«جمعية الواقع» برئاسة العضو مصطفى بنبوك.
أُضيفت استقالة بنبوك وزملائه إلى استقالات سابقة لتسعة أعضاء في المجلس، ما رفع العدد إلى 15 من أصل 32 من بينهم الرئيس ونائبه. استقالة 15 عضواً تضع المجلس الشرعي في خانة المنحل، بحسب المادة 45 من المرسوم الاشتراعي الرقم 18 التي «تجعل من موافقة 15 عضواً على حل المجلس من خلال إعلان استقالاتهم وإبداء موافقتهم على الحل، سبباً لانحلال المجلس قبل إتمام مدته» كما قال بنبوك.
ويُعَدّ بنبوك ورفاقه من الوسطيين داخل المجلس، وكان وسيطاً بين المجلس وخصومه خلال أزمة قباني وتيار المستقبل. لكن «في ضوء التداعيات المتلاحقة على خلفية الدعوات لانتخاب مفتٍ جديد، اتخذنا هذا الموقف الملائم للحد من الاستنزاف والتشرذم الحاصل وضرب مؤسسة دار الإفتاء صوناً للمصلحة العليا وتسهيلاً لفتح المجال أمام تسوية تنهي الأزمة». واللافت أن بيان الاستقالة اعتبر أنها «تعبير عن قبولهم بحل المجلس الشرعي الجديد الذي بادر قباني إلى الدعوة لانتخابه وتكوينه وإفقاده كل شرعية قانونية، مع ما ينتج منه من تعطيل وإبطال مفاعيل دعوة مدير الأوقاف وتعطيل وإبطال كافة الوسائل الآيلة إلى انتخاب مفتٍ بناءً على دعوة المدير العام للأوقاف». علماً بأن اللجنة القضائية التي تنظر في قبول طلبات الترشيح بصورة نهائية مؤلفة بغالبيتها من الأعضاء المستقيلين، ما يجعلها منحلة.
من جهتهم يقول مقربون من مفتي الجمهورية إن «حل المجلس الشرعي لن يمنع انتخاب مفتٍ جديد للجمهورية، لأن لا علاقة للمجلس بهذه الانتخابات، فهي موكلة إلى الأوقاف». وتضيف المصادر أن «أعضاء الهيئة القضائية المستقيلين عُيّن بدلاء لهم، كذلك عُيّن عضو إضافي في المجلس الشرعي، ما يجعل عدد المستقيلين 14 وليس 15». وعن خلفية استقالة بنبوك وزملائه، تلفت المصادر إلى أن الأخير «أظهر إشارات عدة بأنه يعمل ضد انتخاب مفتٍ جديد للجمهورية، وهو يدور في فلك الجماعة الإسلامية التي ترتدي عباءة تيار المستقبل». ورجحت أن هناك «عضوين من المجلس الشرعي سيستقيلان أيضاً، وهما ورقة في يد المستقبل سيظهرها بعد فشل خطوتهم هذه». وقالت المصادر إن هذه الاستقالة «إعلامية ولم تتم بشكل رسمي وحتى الآن لم يقدموا استقالاتهم رسمياً».
بنبوك نفسه قال في اتصال مع «الأخبار» قبل أسبوع إن تطوراً سيطرأ على ملف دار الفتوى قبيل عيد الفطر، ملوحاً بحصول مستجدات في ربع الساعة الأخير «من شأنها أن تغير في مشهد المفاوضات الحاصلة لأننا في لبنان». فهل لأننا في لبنان فقط، قلب بنبوك وفريقه الطاولة على قباني؟
مصدر مطلع من داخل دار الفتوى كشف لـ«الأخبار» عن نشوب خلاف بين قباني وعدد من أعضاء المجلس في جلسته الأخيرة التي عقدت الخميس الفائت. حينها، طرح قباني شروطه للموافقة على مرشح المستقبل والرئيس فؤاد السنيورة، الشيخ عبد اللطيف دريان، أبرزها إلغاء الدعاوى القضائية المرفوعة ضده وانتخاب مفتٍ بالتزكية من قبل المجلسين الشرعيين (مجلسا قباني وعمر مسقاوي) قبل أن يستقيلا تمهيداً لانتخاب مجلس جديد بعد تعديل الهيئة الناخبة بتوسعتها عبر ضم حَمَلة الإجازات الشرعية إليها. بنبوك وسواه اعترضوا على نقاط، أبرزها توسيع الهيئة الناخبة ومن هو المفتي، رافضين حصر المرشحين بدريان والقاضيين محمد عساف وأحمد الكردي. الاستقالة الصريحة للستة، سبقتها تحركات تحت الطاولة. المصادر أكدت أن بنبوك عقد جلسات عدة مع السنيورة بعيداً عن الأضواء، مقترحاً عليه مرشحين غير دريان مثل أمين سر كلية الشريعة علي الطويل، ومسؤول الشؤون الدينية في جمعية الإرشاد الشيخ بسام عيتاني. في حين أن أعضاء آخرين يقاطعون جلسات المجلس منذ مدة. وقالت المصادر إن السنيورة «وعد بنبوك إذا استقال بعدم الطلب من سلام الدعوة إلى انتخاب مفتٍ جديد للجمهورية إلا في حالة التوافق مع قباني، وهو ما لم يجرِ».