لم تمرّ «خارطة الطريق» التي أعلن عنها الرئيس سعد الحريريK قبل أيام، مرور الكرام. وفي وقت يبدو الحراك السياسي اللبناني معلّقاً في انتظار متغيرات الإقليم من غزّة إلى سوريا فالعراق، بدأ كلام الحريري يترك صداه، لا سيّما على مقلب القوى المسيحية اللبنانية.
فمن مقرّ اللقاء الأرثوذكسي، ردّ «اللقاء المسيحي» على كلام الحريري في بيان قرأه نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، معلناً أنه «يربأ بأن يكون نجل الرئيس الشهيد رفيق الحريري قد أطلق كلاماً يُفهم منه أن المناصفة بخطر وبالتالي الميثاق، في حال لم يقدم المسيحيون على التوافق على استحقاق دستوري يخصهم والوطن أجمع»، مؤكّداً أنه «ليس لأحد أن يملي على المسيحيين دروساً أو أمثولات بموضوع وثيقة الوفاق الوطني». وتوقف اللقاء «بمرارة شديدة، عند قول الحريري إن اقتراح انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب اللبناني، هو من باب جعل رئاسة الجمهورية رهينة الاقتراع الطائفي والمحميات المذهبية»، معتبراً هذا الكلام «موقفاً خطيراً، يربأ بأن يكون مقصوداً، لأنه انقلاب أيضاً على جوهر وثيقة الوفاق الوطني».
من جهته، ردّ المكتب الإعلامي للحريري، معتبراً أن «أصحاب البيان بذلوا جهداً كبيراً لإجراء قراءة مغلوطة لكلمة الحريري... لإبقاء الوضع على ما هو عليه ورفض التقدم نحو إيجاد المخرج الممكن للشغور المستمر في موقع الرئاسة الأولى». وشدد على أن «خطة الطريق التي أعلنها الحريري واضحة بما فيه الكفاية».
وعلى رغم نفي مصادر التيار الوطني الحر و«اللقاء المسيحي» أن يكون ما حصل كناية عن تراشق هو في حقيقته بين الحريري والنائب ميشال عون، قالت مصادر في تيار المستقبل إن الحريري رد في خطابه على عون «لأنه (أي الأخير) أراد ضرب النظام والصيغة، من أجل مصالحه الشخصية، وهذا ما يرفضه المستقبل رفضاً قاطعا اليوم وغداً». وأشارت المصادر إلى أن «رد الحريري على اللقاء المسيحي هو تمسك بالثوابت وليس خروجاً عنها، إذ أن الحريري أكد الحفاظ على المناصفة عبر الحفاظ على الطائف»، و«ما جاء في بيان اللقاء المسيحي حمل مغالطات كثيرة حول كلام الحريري». وعما إذا كان الرد والرد المضاد سيعيدان الاشتباك بين المستقبل والتغيير والإصلاح، أكدت المصادر أن «باب الحوار لن يقفل مع أحد، لا بل إن الحريري أعلن عن مبادرة ستترجم بتكثيف للحوار مع عون وباقي الفرقاء، للخروج من الأزمة». وحول الاستحقاق الرئاسي، قالت المصادر إن «الوضع لم يعد يحتمل الفراغ، ولا يمكن ربط الاستحقاقات بحظوظ شخص. على عون أن يقتنع بأن لا حظوظ رئاسية له، لذلك فليفتح باب الحوار على شخص توافقي للخروج من الأزمة وإجراء الاستحقاقات في مواعيدها». من جهتها، أشارت مصادر اللقاء المسيحي إلى أن «عون سيتناول خارطة طريق الحريري وسيطلق مواقف بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح اليوم».
وفي سياق آخر، زار النائب جمال الجراح وزير المال علي حسن خليل في مكتبه في الوزارة أمس، من دون ان تظهر نتائج لهذا اللقاء على الخلاف بين حركة وامل وتيار المستقبل حول قرار صرف رواتب موظفي الدولة قبل نهاية الشهر الجاري. ولا يزال كل من الطرفين على موقفه: الوزير خليل، ومن خلفه حركة أمل، يؤكد أن لا تغطية قانونية لصرف رواتب نحو 25 في المئة من موظفي القطاع العام، وان هذه النسبة سترتفع إلى نحو 92 في المئة قبل نهاية آب المقبل. اما تيار المستقبل، فلا يزال مصراً على مخالفة القوانين، أسوة بما فعلته الحكومات المتعاقبة منذ عام 2006.
من جهة أخرى، لم تخرج التحرّكات في طرابلس احتجاجاً على توقيف حسام الصباغ عن سقف التظاهرات والتجمعات الصغيرة، مع أجواء عمّت المدينة بأن الهدوء سيدوم حتى انقضاء عيد الفطر لا اكثر. إذ اقتصرت التحركات خلال اليومين الماضيين على مسيرة احتجاجية في أبي سمراء وتجمّع أمام منزل الصباغ في المحلة، مساء فضلاً عن اعتصام رمزي بعد ظهر أمس أمام مسجد الصديق، واعتصام في مسجد حربا في باب التبانة، حيث يتواجد أغلب المؤيدين للصباغ.
في المقابل، نشطت التحركات السياسية حيث زار وفد من «هيئة العلماء المسلمين» رئيس الحكومة تمام سلام، عقد لقاء في منزل وزير العدل أشرف ريفي، قبل أن يختتم أمس بلقاء في منزل النائب محمد كبارة لـ «اللقاء الإسلامي الوطني». مصادر سلفية أوضحت لـ «الأخبار» أن «التحركات الاحتجاجية في الشارع طرحت منذ اللحظات الأولى للتوقيف، ولكننا أردنا حلّ الموضوع بلا مشاكل أو التصادم مع الدولة، وإمرار الأيام الأخيرة من رمضان وفترة العيد». كلام التهدئة لم يحجب الكلام التصعيدي الذي أطلقه الشيخ سالم الرافعي في اعتصام أبي سمراء، عندما وجّه إلى القيادات السّنية السياسية والأمنية تحذيراً غير مسبوق، بقوله «إذا كنتم تريدون رفع بعض الرتب على حساب شبابنا، فاعلموا أن ثوار الشام على الحدود». وهدد الرافعي أنه «لن نسامحكم على ما تفعلون بنا... ولن نتراجع حتى يكون أبو الحسن (الصباغ) بيننا». وكان لافتاً في اعتصام أبي سمراء، هتافات التنديد بتيار المستقبل والقيادي فيه العقيد المتقاعد عميد حمود. وما لم يقل في اعتصام أبي سمراء، مساء أول من أمس، قيل أمس في اعتصام جامع الصديق الذي دعت إليه الهيئة دعماً للصباغ، تحت شعار «صمّام أمان طرابلس: الحرية للحاج حسام الصباغ». وتوجّه عضو الهيئة الشيخ خالد السيد الى تيار المستقبل من دون أن يسميه بالقول: «إذا كنتم عاجزين عن وقف الهيمنة عن السلطات الأمنية والعسكرية واستخدامها لصالح مشروع حزب إيران، فحلوا الشراكة التي هي بمثابة شهادة زور». وأعلن «اللقاء الوطني الإسلامي» أن توقيف الصباغ جاء في «توقيت مشبوه وملتبس». وتساءل « لماذا تم هذا التوقيف بعد مبادرة الرئيس سعد الحريري التي رفضت التوقيفات العشوائية»، و«لفت نظر الحكومة» إلى «القلق المتنامي والغضب المتراكم نتيجة فشل القوى الأمنية بكامل أجهزتها في توقيف أي مطلوب بعمليات إرهابية ينتمي إلى حزب السلاح وأدواته، أو مخابرات الأسد وعملائها».
بدوره، رأى وزير العدل أشرف ريفي أن «التحدّيات الأمنية لا تزال قائمة في طرابلس»، مشيراً إلى أن المدينة «دخلت مرحلة من الأمن والاستقرار، فلا تراجع ولا تنازل عن أمن طرابلس تحت أي ظرف أو سبب، ولن نسمح لأصحاب الأهواء مهما دغدغت عواطفهم أحلام العودة إلى جولات الموت».