منذ فضّ أهالي الموقوفين في أحداث طرابلس اعتصامهم مساء يوم السبت الماضي، بعد تدخلات وضغوط مورست عليهم، ووعود أعطيت لهم بمساعدتهم في إطلاق سراح أبنائهم قريباً، عاشت المدينة أجواءً من الترقب بسبب تهديد الأهالي بنزولهم إلى الشارع مجدداً إذا نكث بالوعود. وأعطى الاهالي مهلة تنتهي يوم أمس. لكن الأيام التي أعقبت فضّ الاعتصام وفتح بعض الطرقات التي أغلقت لم تمر بهدوء، إذ جرى تبادل اتهامات من «عيار ثقيل» بين رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي وتيار المستقبل، حمّل كل طرف منهما الآخر مسؤولية الاعتصام وتبعاته، وسط شائعات عن أن طرابلس ستشهد تصعيداً كبيراً إذا لم يتم التوصل إلى مخرج للأزمة.

ومع أن كل القوى السياسية والإسلامية نفضت يدها من منفذي الاعتصام ورفعت الغطاء عنهم، فإن الجهات الأمنية المعنية وأهالي طرابلس كانوا يتوجسون قلقاً، وكانت شكوك كثيرة تراودهم بأن ما يقال في العلن ينفذ عكسه في السر.
ومن أجل تفادي المحظور ومنع وقوعه، بادرت قيادات أمنية مسؤولة إلى الاتصال بأهالي الموقوفين، وعقدت معهم أكثر من اجتماع، كان آخرها اجتماع عقد ليل الأربعاء ـــ الخميس، وامتد حتى قرابة الثانية فجراً، وفق ما أكدت مصادر أمنية لـ«الأخبار»، خرج بعده الدخان الأبيض ليعلن الأهالي أنهم لن يقوموا بأي اعتصام أو قطع للطرقات قبل عيد الفطر.
أسباب تراجع المعتصمين عن تحركاتهم ردّتها مصادر سياسية إلى جملة أسباب، منها تلويح القوى الأمنية، من جيش وقوى أمن داخلي، بأن أي تحرك للمعتصمين في الشارع سوف يمنع حتى لو جرى استخدام القوة، ومنها أيضاً رفع الغطاء عنهم من جميع الجهات السياسية والدينية.

طرابلس ستشهد تصعيداً كبيراً إذا لم
يتم التوصل إلى
مخرج للأزمة
تضاف إلى ذلك موجة الاستياء الكبيرة التي أعلنها التجار من الاعتصام، التي وصلت أصداؤها إلى جميع السياسيين، ومنهم الرئيس سعد الحريري في خارج لبنان، وإعلانهم أنه ليس هناك مشكلة جوهرية في طرابلس تستدعي الإضرار بالمدينة وشلّ أسواقها، وأنه يمكن تأجيل أي تحرّك إلى ما بعد عيد الفطر، وإلا فسيلجأون إلى التصعيد.
لكن ذلك لم يحجب «الكباش» المتعدد الأوجه الذي حصل في الأيام الأخيرة في طرابلس على أكثر من جبهة في ما يخص قضية الموقوفين، وكانت أطرافه سياسية وأمنية وإسلامية في آن واحد.
وفي هذا الإطار كشفت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أنه «بعد تبادل اتهامات بين ميقاتي وتيار المستقبل حول تبنّي قضية المعتصمين ودعمهم في قطعهم الطرقات، وإثر تنصل الإسلاميين من القضية بعد مساهمة قسم منهم في تحريض الأهالي ضد الجيش، كانت بعض الجهات في تيار المستقبل تحرّض الجيش على فض الاعتصام بالقوة، في خطوة تهدف إلى حصول صدام بين الجيش والأهالي. لكن القيادة العسكرية تعاملت بحكمة وروية مع الاعتصام، وفوّتت على هذه الجهات فرصة الاصطياد في الماء العكر».
هذا التناقض غير البريء في المواقف دفع المصادر الأمنية إلى التساؤل: «كيف يمكن تفسير التهجم الدائم على الجيش والتحريض عليه بشكل يومي ومدروس، من قبل قوى سياسية معروفة، وفي الوقت ذاته تطلب هذا القوى فضّ الاعتصام بالقوة؟».
وسط هذه الأجواء شهدت طرابلس أمس إجراءات أمنية مشددة، نفذها الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، لمنع حصول أي خروقات تهدد الخطة الأمنية، بموازاة خطوات تنفيسية تمثلت في إطلاق سراح 5 موقوفين في أحداث طرابلس، إضافة إلى تسهيل الجهات الأمنية تنفيذ اعتصامات تضامنية مع الشعب الفلسطيني، اليوم الجمعة، في بعض مساجد طرابلس، قد تتضمن مواقف دعم وتأييد للموقوفين.
هذه الأجواء تواكبت مع مواقف داعمة لاستقرار طرابلس، أبرزها جاء من ميقاتي الذي أكد بعد زيارته مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار «دعم القوى الأمنية كافة من جيش وقوى أمن داخلي لتعزيز الاستقرار في طرابلس»، بينما شدد الشعار على أنه «لن يسمح أهل المدينة بالعودة إلى الوراء في أي قضية أمنية تهم أمن طرابلس واستقرارها».