إسطنبول | أعاد هجوم تنظيم «الدولة الإسلامية» في شمال العراق، وتقدمه في الأسابيع الماضية، السجال بشأن خيارات أنقرة، إلى الواجهة، إذ يثير الواقع العراقي تساؤلات عدة عن معرفة الثنائي رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية أحمد داوود أوغلو، بما ستؤول إليه الأوضاع في بلاد الرافدين، وفي سوريا أيضاً، بعدما سمحت الحكومة التركية، خلال السنوات الثلاث الفائتة، لآلاف «الجهاديين» الأجانب بالتدفق إلى سوريا عبر أراضي تركيا وحدودها.
ويتسع النقاش حول الدور الذي أدّأه الثنائي أردوغان ــ داوود أوغلو و«تواطؤ» أنقرة في اجتياح «الدولة الإسلامية» لمحافظة نينوى في التاسع من حزيران الفائت. هذا النقاش يستمد شرعيته من الدعم التركي الكبير والمباشر للتنظيمات التكفيرية، من تنظيم «جبهة النصرة» إلى «الدولة»، مروراً بدعم «الجيش الحر» على المستويات كافة.
كذلك، يدعم التشكيك في ضلوع أنقرة في الهجوم الذي أسقط أجزاء كبيرة من العراق في يد التنظيم المتطرف، التحالف الضمني بين «الدولة» وشخصيات مثل النائب السابق للرئيس العراقي طارق الهاشمي، ورئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، وآخرين من زعماء العشائر السنية، الذين كانوا يتردوون على أنقرة باستمرار.
كان لافتاً أن ادعاءات أردوغان وحلفائه في الموضوع السوري، بكون «الدولة الإسلامية» («داعش» سابقاً) صنيعة النظام السوري، اختفت تماماً حين بدأ الهجوم في العراق. قرر المحور المعادي لدمشق أن هجوم «الدولة» في شمال العراق هو ثورة تسعى إلى إنصاف الطائفة السنية المهمشة. فكيف يكون «الدولة» صنيعة النظام السوري وينفذ ثورة في الوقت نفسه ضد الحكم في العراق؟
غير أن ما بدا لافتاً على نحو فاقع في إجراءات «الدولة»، محاكاة بعضها للتاريخ التركي. ولعل أبرز هذه الاجراءات، اختيار التنظيم اسم «دابق» عنواناً لصحيفته الإلكترونية الأولى، إذ عندما قرر «الدولة» أن يتوجه إلى العالم إعلامياً، بعد إعلانه قيام «الخلافة الإسلامية»، اختار اسم المنطقة التي شهدت معركة سنة 1516، بين السلطان العثماني سليم الأول وجيش المماليك. حينها انتصر سليم الأول في المعركة متابعاً طريقه إلى مصر، بعدما أحكم سيطرته على بلاد الشام. وفي كانون الثاني 1517، دخل السلطان إلى القاهرة حيث أعلن نفسه خليفةً للمسلمين.
صحيفة «دابق» الإلكترونية، لم تكن أوّل ما يحاكي التاريخ التركي في ممارسات «الدولة»، إذ سبقتها الخريطة التي نشرها التنظيم لدولة الخلافة المزعومة. الخريطة ضمت حدود كل من الدولة العباسية والأموية والعثمانية التي انتهت الخلافة فيها رسمياً من قبل مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك في حزيران 1924.

هذه المعطيات تحمل في طيّاتها أحلام «الخليفة» أبو بكر البغدادي، الذي يحلم ويخطط ليؤسس إمبراطورية تشمل الخلافات الإسلامية الثلاث، إذ ضمت خريطة «الدولة» إسبانيا، كأن التنظيم بذلك يستعيد تاريخ طارق بن زياد. وهنا مفارقة أخرى، إذ شبه أردوغان، خلال إعلان ترشحه رسمياً إلى رئاسة الجمهورية، نفسه بفاتح الأندلس.

ومثلما نصب البغدادي نفسه خليفةً للمسلمين بطريقة «سريالية»، راودت أردوغان أحلام من هذا النوع، عبّر عنها في أكثر من مناسبة. أردوغان الطامح للرئاسة بعد أقل من شهر، لم يوفر مناسبة في السنوات الماضية للإيحاء برغبته في أن يكون سلطاناً عثمانياً. على سبيل المثال، سعى أردوغان عبر موقفه من الواقع المصري إلى «استرداد» أرض الكنانة، مركز خلافة السلطان سليم. وهو ما يفسر كذلك مجمل سياسات أردوغان الرامية إلى إسقاط النظام في دمشق، حين قال إنه «سيصلي في الجامع الأموي».
فهل يكون هناك منافسة غير معلنة بين البغداي، «الخليفة» المزعوم، وأردوغان الذي تدغدغه منذ زمن أحلام الخلافة؟ وخصوصاً أن البغدادي الذي يعدّ نفسه من أهل بيت الرسول، لن يسمح أبداً بعودة سلطان عثماني إلى مرج دابق!