أحدث طلب قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا، في قرار اتهامي أصدره أمس، الإعدام لمسؤول العلاقات السياسية في الحزب العربي الديمقراطي رفعت عيد، «صدمة» كبيرة في منطقة جبل محسن. لكنّ أيّ ردّ فعل لم يصدر عن مناصري عيد بعد صدور القرار بحق عيد، بجرم المشاركة في الاشتباكات الداخلية التي كانت تحدث في طرابلس.
أما في المقلب الآخر، أي في باب التبانة وطرابلس، فإن القرار لقي ترحيباً ظاهراً من قبل خصوم عيد في المدينة على اختلافهم.
لكن مصادر مطلعة رأت أن القرار «إعلامي فقط وليس عملياً، لأن عيد خارج لبنان، ما يعني أن القرار بلا معنى، عدا عن أن القرار اتهامي وليس نهائياً، لأن القرار النهائي تصدره المحكمة التي قد تبرّئ عيد بعد المحاكمة». واستبعدت المصادر أن يسهم القرار في حلحلة الأمور في طرابلس، وتبريد الأجواء فيها، وخروج المعتصمين من الشوارع. ورأت المصادر أن التطورات التي شهدتها طرابلس في الساعات الـ48 الأخيرة، من اعتصام أهالي الموقوفين في باب التبانة، إلى اعتصام أمس لأهالي الموقوفين في جبل محسن، إلى صدور القرار الاتهامي بحق رفعت عيد، قد أعاد الأمور إلى المربع الأول، وجعل من طرابلس صندوق بريد لتبادل رسائل سياسية وأمنية توجه في أكثر من اتجاه، داخلي وخارجي».

ولم تفلح كل المساعي والنداءات التي بذلت من أجل دفع أهالي الموقوفين إلى رفع اعتصامهم عند مستديرة نهر أبو علي، رغم مرور ثلاثة أيام عليه. أبرز هذه المساعي تمثل في قيام وفد من هيئة العلماء المسلمين بزيارة المعتصمين، محاولاً إقناعهم برفع الاعتصام وفتح الطرقات، والالتزام بوثيقة أصدرتها الهيئة في 26 حزيران الماضي في هذا الخصوص، تحت عنوان «وثيقة الحراك السنّي في لبنان»، تؤكد فيها أن أي تحرك يفترض أن يحظى بموافقة مسبقة من الهيئة، ويكون بإشرافها، وأن يكون أي تحرك سلميّ الطابع.


وافق الشيخ
الرافعي على أن تكون الخطبة نارية، شرط أن ينهوا اعتصامهم

الشيخ خالد السيد، أحد أعضاء الهيئة الذي تابع عن كثب عملية التفاوض بين الوفد والمعتصمين، أوضح لـ«الأخبار» أن المعتصمين «عرضوا على الشيخ سالم الرافعي أن يخطب فيهم صلاة الجمعة أمس وسط الشارع، وليس في جامع التقوى الملاصق لهم، حيث يخطب عادة. وافق الشيخ سالم على أن تكون الخطبة نارية ومرتفعة السقف، شرط أن ينهوا اعتصامهم بعد أن ينهي الخطبة. لكنهم رفضوا، ما دفع الشيخ سالم إلى عدم إلقاء خطبة الجمعة أمس في المسجد، وتكليفه شيخاً آخر بهذه المهمة».
وكشف السيد عن اتصالات أجريت مع الموقوفين في السجون، لكونهم «يديرون فعلياً الاعتصام والتحركات الاحتجاجية في الشارع من حيث هم، وحاولنا إقناعهم بأن يوقفوا التحركات، لكن كل هذه الجهود لم تثمر عن أي نتيجة إيجابية، لأن الموقوفين قالوا إنه لم يعد لهم ثقة بالوعود التي أعطيت لهم، وإنهم يريدون نتائج ملموسة».
لكن السيد الذي أكد أن الهيئة لن توقف مساعيها لإيجاد مخرج، أبدى خشيته من «حصول تطورات على الأرض لا علاقة لها بالاعتصام وبقضية الموقوفين». وقال: «نشتمّ من بعض ما يحصل رائحة محاولة البعض تسييس التحركات، للأسف، واستغلالها».
«استغلال» التحركات في الشارع بخصوص قضية الموقوفين، عبارة استخدمها أيضاً أمس وزير العدل أشرف ريفي، عندما غرّد على صفحته على موقع «تويتر» بقوله إن «ما يحدث في طرابلس مؤسف، وهو مطلب حق يريد البعض استغلاله للباطل».
غير أن مصادر سياسية قرأت موقف ريفي بشكل معاكس، مستندة إلى بيان اللقاء الوطني الإسلامي الذي عقد أول من أمس في منزل النائب محمد كبارة، بحضور نواب ومشايخ وفاعليات مقربين من تيار المستقبل، إذ وجدت بين سطور البيان إدانة مباشرة لريفي الذي حاول في تغريدته ردّ الاتهام عنه ورميه في اتجاه آخرين.
وأشارت المصادر إلى أن البيان حمّل المدعي العام التمييزي وقضاة التحقيق المعنيين «المسؤولية الكاملة لما يمكن أن ينتج من ادّعاءاتهم على كل من يتم توقيفه من الطائفة السنية، أو من أبناء طرابلس والشمال بالإرهاب». وبما أن من حمّلوا المسؤولية هم «تحت وصاية وزارة العدل، فإن وزير العدل يتحمّل المسؤولية معهم أيضاً».
ورأت المصادر أن «التحرّكات في الشارع وقطع الطرقات باتت عبئاً ثقيلاً على أهالي المدينة التي شلت أسواقها وألحقت بالتجار وأصحاب المصالح أضراراً كبيرة. وفي حال استمر الوضع على ما هو عليه حتى مطلع الأسبوع المقبل، فليس مستبعداً أن نرى خروج هؤلاء المتضررين إلى الشارع مطالبين الجيش بفتح الطرقات، ولو بالقوة».
لكن دعوات التهدئة وإنهاء مظاهر الاحتجاج لم تترجم عملياً على الأرض، حتى مساء أمس، إذ قطع محتجون طرقات البداوي والقبة ــ مجدليا، كما استمر مسلسل رمي قنابل يدوية في بعض أحياء المدينة، في موازاة قيام الجيش وقوى الأمن الداخلي بدوريات وتوقيف مطلوبين، كما حصل أمس قرب المستشفى الحكومي في القبة حيث أوقف الجيش أحد المطلوبين.