افتتحت جامعة الجنان كلية للصيدلة عام 2006، وتخرّجت فيها اول دفعة من طلابها عام 2010، متسلحة بترخيص حصلت عليه من «جامعة ما» في أرمينيا. خالفت القوانين اللبنانية التي تفرض على أي جامعة الحصول على ترخيص مسبق واذن «مباشرة عمل» لافتتاح كلية صيدلة جديدة. بعد عامين من البدء بتدريس هذا الاختصاص، أرسلت وزارة التربية انذارا الى الجامعة، وطلبت منها فيه أن تبرم اتفاقا مع أي من كليات الصيدلة في الجامعات المرخص لها لكي تستقبل طلاب الجنان، ولا سيما أنهم أنهوا السنوات التحضيرية ولم يدخلوا بعد في سنوات التخصص.
السنتان الأوليان من هذا الاختصاص تعدّان مخبريتين-تحضيريتين، اذ يستطيع الطالب بعد الانتهاء منهما الانتقال الى أي جامعة اخرى ليستكمل اختصاصه، الا أن ادارة جامعة الجنان أصرّت على الاحتفاظ بطلابها وتخريجهم من عندها، على الرغم من ادراكها أن خريجيها سيواجهون مشكلة جدّية في الاعتراف بشهاداتهم، ولن يكون بمقدورهم اجراء امتحان الكولوكيوم، الذي يؤهلهم لممارسة مهنة الصيدلة. ربما، تصرفت ادارة الجامعة بهذا التعنت لادراكها ايضا ان بامكانها فرض مشيئتها واخضاع اصحاب القرار لمصالحها في النهاية، وهو ما يحصل دائما في كل ملفات الجامعات الخاصة.
لا ترى ادارة جامعة الجنان انها أخطأت أو خالفت القوانين. يبرر عميد كلية الصيدلة، ثائر علوان، أن الجامعة اعتمدت على ترخيص نالته من جامعة في أرمينيا، لكن علوان لا يعرف اسم هذه الجامعة «لأنني ما كنت موجودا وقتها». يقول إن من سبقوه «أخبروه» أن وضع الجامعة كان قانونيا، الا أنهم اكتشفوا لاحقا أن الجامعة الأرمينية (التي لم يطلعوه على اسمها) تبيع الشهادات الجامعية ففكوا الارتباط معها. ويوضح ان وزارة التربية طلبت من ادارة الجامعة أن تتقدم بطلب للاستحصال على ترخيص، وهي تراهن على تسوية أوضاع طلابها بعد حصولها على الترخيص، وعلى اذن مباشرة العمل.
لكن المدير العام للتعليم العالي في الوزارة أحمد الجمال قال لـ«الأخبار» إنه لا يمكن تسوية أوضاع الطلاب الخريجين الا عبر قانون خاص يصدر عن المجلس النيابي. واشار الى ان الوزارة اعلمت ادارة الجامعة بهذه الخلاصة مرات عدّة.
من جهته، كرر وزير التربية الياس بو صعب في اتصال مع «الأخبار» عدم اعتراف الوزارة بهذه الشهادات، واستحالة تسوية أوضاع الطلاب، ملمحا الى عدد من التجاوزات الأخرى التي قامت بها الجامعة، داعيا القيمين عليها الى تحمل مسؤولياتهم تجاه الطلاب الخريجين، وأعرب عن أسفه لغياب الرقابة منذ ذلك الوقت.

تسلحت «الجنان» بترخيص حصلت
عليه من «جامعة ما» في أرمينيا

من أين تأتي جامعة الجنان بهذه الثقة؟ وماذا يفعل المتخرجون من طلابها حاليا؟
انها «الوقاحة»، بحسب وصف مصادر متابعة لملف الجامعات الخاصة في وزارة التربية. المصادر نفسها تقول إن الطلاب الخريجين يحاولون تعديل شهاداتهم، عبر احدى الجامعات الخاصة، مقابل مبالغ مالية!
فضيحة جامعة الجنان من الأسباب التي دفعت بنقابة الصيادلة الى رفض حضور اجتماعات مجلس التربية والتعليم العالي، ولا سيما انه وافق على اعطاء تراخيص لـ 6 جامعات خاصة (من بينها الجنان) لتفتتح كليات صيدلة لديها. ومن المتوقع ان يوقع مجلس الوزراء هذه المراسيم، متجاهلا الضرر الذي سيصيب مستوى هذا الاختصاص والخدمة الصحية المقدمة إلى المواطنين والاحتياجات الحقيقية لسوق العمل.
دق اتحاد نقابات المهن الحرة ناقوس الخطر متأخرا جدا، فالمراسيم قد يوقعها مجلس الوزراء في أي من جلساته المقبلة، دون اي مناقشة، الملفات منجزة ولا خلاف سياسيا عليها. المؤتمر الصحافي الذي عقده الاتحاد في نقابة الصحافة، أول من أمس، لم تحضره سوى كاميرات المؤسسات الاعلامية، وغاب عنه أصحاب الشأن: الصيادلة.
رفض الاتحاد، الذي يضم نقابة الصيادلة، في بيان ألقته رئيسة الاتحاد راحيل دويهي، الترخيص لست كليات جديدة للصيدلة لما لهذا الترخيص من أثر سلبي على قطاع الصيدلة في لبنان، في الوقت الذي يعاني فيه القطاع زيادة في عدد الصيادلة، ستكون هذه الخطوة بمثابة تخريج دفعات جديدة من العاطلين من العمل، وطالب الوزارات المعنية، ولا سيما وزارتي الصحة والتربية، بتحمل مسؤولياتهما في هذا المجال، وتشكيل لجنة تدرس حاجات السوق الفعلية، كما طالب بمتابعة ملف حاملي شهادة الكولوكيوم المزورة، ومنع أصحابها من تقديم امتحان الكولوكيوم حتى صدور الحكم القضائي بحقهم.
وعلى الرغم من وضوح المشكلة وجذورها، الا ان الاتحاد تلطى وراء خطاب عنصري رائج ليصب جام غضبه تجاه اللاجئين السوريين، الذين، برأيه، «يرمون بثقلهم على الوطن كله وعلى المهنيين والمواطنين من خلال اغراق السوق بالمهنيين السوريين».
الوزير بو صعب رد كامل القضية الى جانبها القانوني حصرا، وقال إن الجامعات التي تقدمت بطلبات الترخيص مستوفية الشروط كافة، والقانون لا يمنع افتتاح كليات جديدة في الجامعات، وأضاف وزير التربية والتعليم العالي «إن من لديه اعتراض على هذه القرارات فليسعَ الى تعديل القانون الحالي».
«توافر الشروط القانونية ليس مبررا لمنح 6 جامعات التراخيص اللازمة لافتتاح كليات صيدلة الجديدة»، يقول نقيب الصيادلة ربيع حسونة، يسأل عن المصلحة الوطنية العليا، وعن سبب تغييب رأي الجامعات في لبنان، وتحديدا الجامعة اللبنانية، فضلا عن تجاهل رأي نقابة الصيادلة التي سبق لها أن أعلمت مجلس التعليم العالي خطورة منح هذه التراخيص، وتمنى حسونة على بو صعب أن يطلع النقابة على دراسة تثبت امكانية فتح هذه الكليات ومبررات فتحها، «الدراسات التي تقدمنا بها تدحض اي ادعاء بوجود مصلحة عامة من وراء افتتاح كليات جديدة في ظل الوضع الصعب الذي يمر به الصيادلة»، يضيف حسونة.
لكن ما الخطوات التي ستقوم بها النقابة للدفاع عن الصيادلة؟ أين هم أساسا؟ لما لم تدعُ النقابة الى اي تحرك؟ يرفض حسونة الاجابة، فهو نفسه سبق أن حضر افتتاح مختبر صيدلي جديد لجامعة الجنان، الذي خُصّص لتدريب الطلاب عملياً.
تشير معلومات «الأخبار» الى أن بو صعب دعا نقابة الصيادلة الى عدة اجتماعات، لكنها رفضت الحضور متمسكةً برأيها بوقف مشروع منح التراخيص، وبما أن رأي النقابة استشاري غير ملزم، اتخذ مجلس التعليم العالي قراره بالموافقة على منح التراخيص.
برغم موافقة رئيس الجامعة اللبنانية عدنان السيد حسين، العضو في المجلس على منح هذه التراخيص، الا أن لأهل الاختصاص موقفا مختلفا. تخشى عميدة كلية الصيدلة باسكال سلامة على مستوى الاختصاص، فمهنة الصيدلاني من المهن التي لا تخرّج طلابا ليسافروا الى الخارج، وازدياد عدد الخريجين سيقلل من مدخول الصيدلي نتيجة المزاحمة، وسيؤدي الى تدني مستوى الأجور داخل شركات الأدوية، لكن أخطر ما تحدثت عنه سلامة يتعلق بضرب المستوى الأكاديمي للاختصاص، ما يهدد صحة المواطنين، إذ إنه ما من اتفاق بين الجامعات في لبنان على المنهاج الذي يعطى في كليات الصيدلة، وضمان مستوى جيد للكليات الجديدة «غير مضمون»، فحتى الجامعة اللبنانية التي تعتمد أعلى المعايير في اختيار كادرها التعليمي، تضطر إلى اللجوء الى حملة شهادة الماستر ليتولوا تدريس بعض المواد في ظل صعوبة ايجاد أهل الاختصاص من حملة شهادة الدكتوره، فمن الذي سيتولى تعليم الطلاب في هذه الكليات الجديدة؟