أربعة أيام مضت على الإضراب عن الطعام الذي ينفذه الموظف في وزارة الزراعة علي برو، في ساحة رياض الصلح. المهندس الزراعي لا يزال صامداً رغم فشل محاولات المتضامنين في نصب خيمة في المكان أو حتى «خيمة بحر» في الحد الأدنى. أمس، أحضرت المتضامنة الدائمة المفتشة الإدارية نوال ناصر «شمسيتها» لتقيها أشعة الشمس الحارقة.
الوقفة التضامنية مع برو التي دعت إليها رابطة موظفي الإدارة العامة، مساء الجمعة الماضي، لم تكن بمستوى التحرك ــــ الحدث. يومها، تأثر الجميع بالخضة الأمنية التي هزت البلاد بكل مفاصلها، وفرملت، بالتالي، برمجة زيارات كانت هيئة التنسيق النقابية تنوي تنظيمها إلى المكان. إلا أنّ برو ورفاقه يترقبون أن تعود الحركة الاحتجاجية النوعية في مسار حراك هيئة التنسيق لتنتعش من جديد، بداية الأسبوع الجاري.
وكانت «الصبحية» مع برو ضمن لائحة مشاريع عطلة الأحد لبعض الموظفين القلائل، فأتوا مع أفراد عائلاتهم، فيما لم يتردد موظفون آخرون في دعوة برو للعودة عن الإضراب، إنقاذاً لصحته «الغالية علينا وحيث لا أفق لمثل هذه الخطوات في بلد لا يحترم مواطنيه»، على حد تعبير أحد المتضامنين. ومنهم من راح يدعو له بالصبر والقوة و«يا رب يرقّ قلب هالحكام على شيبة هالرجل قبل ما نفقدو ولازم كلنا نكون معو بالساحة».

تجتمع الهيئة
اليوم لتحديد الأشكال المقبلة للتحرك

في الواقع، اقتحمت الأزمة الأمنية مشهد تحرك هيئة التنسيق المستمر في الحد الأدنى بمقاطعة أسس التصحيح والتصحيح للامتحانات الرسمية. لا رجوع عن الخطوة التي تندرج أصلاً في إطار الاتفاق الذي تمّ مع وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب إلى حين إقرار سلسلة عادلة تحفظ الحقوق، على نحو ما جاء في مذكرة الهيئة إلى رئيس مجلس النواب والنواب. فجأة، طغى الأمن على كل شيء وساد الارتباك صفوف المنتفضين لحقوقهم الذين كانوا يستعدون للتصعيد. أرجئ اجتماع الهيئة من الخامسة من بعد ظهر الجمعة إلى الخامسة من بعد ظهر اليوم. وبعدما كان مقرراً أن تعلن خطة تصعيدية نوعية للتحرك تتناسب وحجم التسويف والمماطلة في إقرار الحقوق في سلسلة الرتب والرواتب، بات السؤال اليوم: ماذا سنفعل؟ هل نصعّد أم لا؟
يدرك قادة الهيئة أنّ الأمر بات يرتب مسؤولية كبيرة عليهم وتحتاج الدعوة إلى تجمع أو اعتصام، حتى لو كان في مكان مغلق، إلى دراسة وتبصّر بالعواقب. سيجوجلون، في اجتماع اليوم، الأفكار في شأن أشكال مواصلة الدفاع عن حقوقهم، آخذين في الاعتبار المعطى الأمني المستجد. في البرنامج المرتقب، لن تستثني هيئة التنسيق مخاطبة الطلاب وأهاليهم لشرح وجهة نظرها وظروف تحركها، وهي أنّ خطوة المقاطعة ليست موجهة ضدهم بل ضد أصحاب القرار والمسؤولين عن إعطاء الحقوق لكل الناس، وستدعو الهيئة الأهالي إلى الانخراط في معركتها لمواجهة من يتخذون الشعب رهينة، وليس فقط الطلاب على خلفية أنّ «من لا يقوم بواجباته لا يحق له أن يحاسب». وعلى خط مواز، ستعبّئ الهيئة قواعدها ليكونوا في حال الجاهزية الكاملة لمتابعة هذه المعركة. وإذا حصل أن التقت الهيئة أياً من المسؤولين، فستركز في الحوار معهم على أن المسألة ليست «تمنيننا بدرجة من هنا أو درجة من هناك كما ظهر في المفاوضات الأخيرة، فحقوقنا تتمثل في إعطائنا نسبة مئوية واحدة لجميع العاملين في القطاع العام بحسب نسبة التضخّم 121% على رواتب 1/1/1996 وعلى كامل السلسلة، وأسوة بالقضاة وأساتذة الجامعة اللبنانيّة، واعتباراً من 1/7/2012 وفق الاتفاقات مع الحكومة السابقة، مع رفض العودة مجدداً إلى نغمة التقسيط والتجزئة والتخفيض للأرقام.
برأي الهيئة، فإنّ تداخل الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية ـــ الاجتماعية في وقت واحد بات يتطلب من جانب المسؤولين معالجة مختلفة. لا يكفي، كما تقول، أن تتخذ إجراءات أمنية فحسب لمواجهة التطرف وتترك المسائل الحياتية الأخرى قيد الإهمال، بل إنّ ما يحصل هو جرس إنذار إضافي للسياسيين للانصراف إلى تقديم الحلول الاجتماعية والاقتصادية التي توحد اللبنانيين، «فضرب حقوق الناس يشجع بشكل أو بآخر على التطرف».
وما آلت إليه المفاوضات بشأن السلسلة، أظهر أن هيئة التنسيق تواجه اليوم مشروعاً متكاملاً لتكريس التعاقد الوظيفي وتصفية ما تبقى من الوظيفة العامة وضرب القطاعات الوظيفية بعضها ببعض. أما المفاوضات فتجري بين طرفي السلطة السياسية والتنازلات تأتي على حساب أصحاب الحقوق وبغيابهم، إذ يجري إبعادهم عن صياغة أي اتفاق قد يحدث في هذا الملف.
قد يحمل كل طرف مقاربة مختلفة للملف، لكن الهوامش بينهما ضيقة، ووقوع الحقوق فرق عملة في التجاذبات السياسية أمر وارد.