هذا أوّل استثناء في مكتبتنا الموسيقية، ويكمن في تخصيص حلقتَين متتاليتَين للموسيقيّ ذاته. ليس وحده، موزار، من يستحق ذلك. لكننا أردنا أن نفتتح به سلسلة استثناءات من هذا النوع.
في الحلقة السابقة، اخترنا مقطوعة بسيطة، مختصرة وجميلة... وهي الحركة الثالثة من سوناتة «سهلة» للبيانو.
في حلقة اليوم، نسمع مقطوعة للبيانو المنفرِد أيضاً، مستقلة، طويلة نسبياً، مضطربة، غير خاضعة لقاعدة في التأليف على مستوى الشكل. إنها الفانتازيا التي تحمل الرقم 397 في كاتالوغ أعمال موزار. كتبها الرجل عام 1782 وأبقاها غير مكتملة (إرادياً؟). فالنوتات الأخيرة (أي الثواني الأخيرة فقط) أو «القفلة» أضيفت إليها لاحقاً. وكما يدل اسمها، هي عبارة عن مجموعة من الأحاسيس المتضاربة والمتداخلة المعبَّر عنها في مقطوعة واحدة. فيها الحزن والقلق والكآبة. فيها الرقص (كآخر مراحل الكآبة أحياناً) والأمل والتأمل والاستسلام والتهكّم. فيها دماغ الإنسان كمصنعٍ لكل هذه الحالات النفسية بعد تلقيه وتحليله مسبباتها... وفيها موزار الذي يعرف كيف يحوِّل هذه الصورة إلى مجموعة أصوات جميلة اسمها موسيقى. «يكذب» موزار علينا، غالباً، في التعبير عن مكنوناته. فهو لا يريد للناس إلا أن تفرح. هذه المقطوعة هي من الأعمال القليلة التي يظهر فيها من دون قناع؛ وهنا في لحظة ضياع قصوى. في هذه المقطوعة «رأى» موزار مصائرنا... وفي معظم أعماله الأخرى حاول أن يجعلها أقلّ أسىً.
ملاحظة: يتخلل هذه المقطوعة مساحات صمت. والصمت في الموسيقى له رموزه (نوتات) في التدوين. لذا، نرجوكم (ويا ليتنا نستطيع أن نقبّل أرجلكم من فوق أحذيتكم ومن تحتها) أن تسمعوا هذا العمل بعيداً عن هواتفكم الذكية... ولو بواسطتها!