... يتابع السياسي العائد من باريس روايته عن «المؤامرة الرئاسية» في العاصمة الفرنسية. يقول: بعدما اتفق ثلاثي الحريري ــــ السنيورة ــــ جعجع، فيما للمصادفة جنبلاط وسعود الفيصل قريبان منهم، على الإخراج المطلوب لإخراج عون، وصلوا إلى السؤال: كيف تجنب الشغور الرئاسي؟ خصوصاً أنه يشكل خطاً أحمر لأكثر من طرف خارجي فاعل.
الرياض تخشى تداعياته على نظام الطائف العزيز جداً عليها. بينما واشنطن لا تريد السماع بمقولة الفراغ، لمجرد أنها غير معنية راهناً بالملف اللبناني ولا تنوي الاستثمار فيه لحظة من جهدها حالياً. وهي لذلك ترفع شعار الاستقرار، «ستابيليتي»، وتلزّم تنفيذه للمستوى الأدنى من إدارتها، أي سفيرها في بيروت دايفيد هيل. ما يحله هيل لبنانياً يكون محلولاً أميركياً. وما يعجز عن حله في بيروت، يكون مؤجلاً ومتروكاً في واشنطن.
يقول السياسي العتيق إن «الثلاثي الباريسي» تباحث في شكل سريع بهذه المعطيات. قبل أن يخلص سريعاً إلى تبني خطة على مرحلتين: أولاً تأييد التمديد. ثانياً تثمير الشغور وتجييره لصالح 14 آذار. في الخطة «أ»، يلاحظ السياسي نفسه أنه بعد عودته إلى بيروت، تأكد بالمعطيات والوقائع من صحة محاولات التمديد. تم تجنيد أكثر من دولة عربية وأوروبية وحتى أميركية لتحقيقه. هيل فاتح بري بالموضوع. العسيري حمله ودار به. بكركي كانت مقتنعة به أصلاً على قاعدة الضرورة وأهون الشرور. بعبدا طرحته على جبران باسيل وجهاً لوجه. مع حسم بالأسعار بلغ ستة أشهر، ومع إغراءات بلغت سلة حوافز تشمل كل الملفات والسلات. الطرح نفسه وصل إلى الرابية في ربع الساعة الأخير. قبل أن يسقط أمام تصلب عون وحزب الله...
يتابع السياسي روايته الباريسية: أصلاً، كان المجتمعون في العاصمة الفرنسية يعرفون صعوبات طرح التمديد وعوائقه. وكانوا يتوقعون سقوطه، ويتحسبون للخطة «ب»: تثمير الشغور واستثماره. لا بل كانوا يخططون ليكون الفراغ الرئاسي الجزء الذي يحقق الضربة الكبرى والأخيرة من «المؤامرة». ضربة الفصل النهائي بين عون وحزب الله. كيف؟ يقول اللبناني الخبير في صالونات باريس وشخصياتها المتعددة الجنسيات: كان المجتمعون على ضفة نهر السين مقتنعين بأن حزب الله في حقيقة حساباته وعمق خياراته، لا يريد ميشال عون رئيساً للجمهورية. هم يعتقدون بأنه بمقدار ما يتمسك حزب الله بالجنرال حليفاً، بالقدر نفسه يتهرب من جعله رئيساً. في اعتقادهم، أن الحزب يفكر كالتالي: عون الحليف في حاجة دائمة إلى حزب الله. أما عون الرئيس فسيكون حزب الله في حاجة دائمة إليه. ثم إن عون الحليف يمكن توقع مواقفه وحساباته وردود فعله. بينما عون الرئيس، أي عون البالغ آخر مشوار حياته السياسية، لا يمكن توقع ما قد يقدم عليه أو يحجم عنه. عون الحليف، يحتجّ بقوة المقاومة ويحاجج بها. أما عون الرئيس فمحرج بها ويزعجه سلاحها. والأهم أن عون الحليف يمكن أن تختلف معه وأن تحتمل الخلاف. تماماً كما حصل في مواضيع ثانوية مثل مياومي الكهرباء، أو أساسية مثل قيادة الجيش والتمديد للمجلس النيابي. بينما عون الرئيس لا يمكن تحمل أي خلاف معه. تحت طائلة تحوله خلافاً مع الدولة ومع المسيحيين في آن واحد. وهو ما لا قدرة لحزب الله أن يحتمله على الإطلاق، لا بل هو المحظور القاتل له في أي مدى زمني آت.
يتابع السياسي نفسه: فكّر الباريسيون أن حزب الله، مثلهم، لا يريد عون رئيساً، ومثلهم أيضاً يبحث عن إخراج لإخراجه. ولوج الشغور قد يكون التمهيد الإلزامي للتقاطع رئاسياً مع حزب الله. وضعوا خارطة الطريق التالية: بعد 25 أيار يبدأ عض الأصابع بين الطرفين. مرحلة يجب استنفار كل الوسائل الإعلامية والسياسية ومجموعات الضغط الأهلية والروحية، وتجنيدها من أجل تحميل ميشال عون مسؤولية خلو سدة الرئاسة. بعدها تبدأ مرحلة انتظار لحظة الخرق الرئاسي عبر مرشح جديد، يتوافر في طرح اسمه عاملان اثنان: أولاً، أن يملك حداً أدنى من الحيثية المسيحية ولو الوهمية، بحيث تكون بكركي على الأقل جاهزة لتغطيته. وثانياً، أن يقدر على تحقيق خرق في معسكر حلفاء عون، وتحديداً لدى حزب الله ونبيه بري. من هو المرشح الأمثل نظرياً لذلك؟ فكر الباريسيون: حكماً جان قهوجي. راح تفكيرهم أبعد: حزب الله يؤيده طبعاً. يقولون انهم تعايشوا معه ستة أعوام بانسيابية أمنية وعسكرية كاملة. وحده يحررهم من التزام عون، يؤمن تغطية بكركي، ويضمن لهم تحالف الدولة والسلطة والجيش.
بقيت نقطتان: أولا، قبل 25 أيار كان ترشيح قهوجي محكوماً بتعديل الدستور. بعد هذا التاريخ صار انتخابه متاحاً وممكناً بفضل سابقة ميشال سليمان. ثانياً، قد يقتضي الأمر إخراجاً ساخناً. تماماً كما حصل مع سليمان في نهر البارد سنة 2007. توقيت مثالي لافتعال المعركة في 20 أيار، وتسجيلات اتصالات بلال دقماق بأشرف ريفي شاهدة. ثم توقيت أكثر مثالية لإنهاء المعركة في 2 أيلول. وتهريب شاكر العبسي شاهد أكبر. قد يقتضي الأمر الآن سخونة مماثلة... يختم السياسي نفسه: أبقوا عيونكم مفتوحة بين الطريق الجديدة وعين الحلوة. على فكرة، كيف سقط للجيش ثمانية جرحى في طرابلس قبل يومين؟! ليس وليد جنبلاط ابن البارحة ليقول: الله يستر!
ينهي العائد من باريس روايته المعلوماتية ــــ التحليلية. رواية قد تكون برمّتها من نسج الخيال. لكن يبقى على الأشخاص المعنيين بسيناريوهاتها، أن يكذبّوها. وأن يدحضوا مضمونها بالوقائع والمواقف. ويبقى ذلك أيضاً للأيام والتطورات.