المكتبة الموسيقية

الحلقة ٥٧

  • 2
  • ض
  • ض



كثيرون حاولوا العمل على تحف كلاسيكية عبر تعديل بعض الخطوط الأساسية فيها (الإيقاع، الآلات، تعديل بعض الجمل الموسيقية أو إضافة أخرى،...) بغية صبغها بنمط موسيقي بعيد عنها أو قريب منها. إحدى أسوأ التجارب تحمل اسم «موزار المصري». إنها كارثة في التشويه، يقابلها تجربة محترمة تحمل توقيع عازف البيانو الفرنسي جاك لوسييه الذي اشتغل تحديداً على أعمال المؤلف الألماني باخ إضافة إلى بعض العناوين المعروفة لمؤلفين آخرين (رافيل، فيفالدي،...).
جاك لوسييه (1934) زارنا عام 2004 وقدّم أمسية وحيدة. ويقال إنها لم تكن زيارته الأولى إلى لبنان. اليوم خفّ نشاطه بحكم تقدّمه بالعمر، لكنه عرف مجداً كبيراً في الستينيات والحفلة التي اخترنا منها هذا التسجيل تُعَدّ مِن أنجح ما وصل إليه في مسيرته. في تلك السهرة التي جمعته برفيقَي دربه، وتحديداً عازف الكونترباص الأشهر في فرنسا بيار ميشلو، يؤدي لوسييه الكونشرتو الأول (هاربسيكورد أو بيانو وأوركسترا وتريات) لباخ كاملاً، أي بحركاته الثلاث. إنه أحد أهم أعمال المؤلف في هذه الفئة ومن الأهم في فئة الكونشرتو تاريخياً. اخترنا لهذه الحلقة الحركة الأولى فقط. وهنا نشير إلى أن لوسييه أضاف في إعداده (لهذه الحركة تحديداً) مقدّمة جميلة لا علاقة لباخ فيها. لكن بعدها، يلتزم نسبياً بالخطوط الأساسية المكتوبة للبيانو (معتمداً إيقاعاً سريعاً مقارنة بالنسخة الكلاسيكية)، ثم يخرج في أكثر من محطة عن المسار الأصلي، هنا بتغيير الإيقاع وهناك بفَرْد مساحة حرة للارتجال ليعود ويختم بما يحاكي ختام الحركة كما رآها باخ.
غداً نعود إلى هذا الكونشرتو بنسخته الأصلية لإتاحة فرصة المقارنة من خلال السمع وليس الكلام. فالكلام يعاني من وظيفة شرح وتعبير محدودة عموماً، فكيف عندما يأتي الحديث عن الموسيقى؟! لكن كما لاحظتم في هذا النص، يبدو رأينا إيجابيّ بجاك لوسييه وفكرة إعداده لأعمال باخ. وهو رأيّ، من دون تواضع، لن يُسجَّل في التاريخ. أقلّه مقارنةً برأي عازف البيانو الكندي غلان غولد (1932 – 1982)، الذي يتربّع على قمة أداء باخ وفهمه. يقول غولد بتجربة لوسييه: «هذه طريقة جيدة لإعادة إحياء المؤلف الألماني».

  • Title Piano concerto no. 1 in D minor, 1st movement – arranged for jazz trio
    ComposerJ. S. Bach (1685 – 1750)
    Performed byJacques Loussier (piano & arrangements), Pierre Michelot (double-bass) & Christian Garros (drums)
    Timing 8’21’’
    Recording 1965 (Live)

2 تعليق

التعليقات

  • منذ 9 سنوات محمد محمد:
    ‫التوزيع الجديد نعمة وليس نقمة بالمجمل (2)
    ‫ كل المغنين الجدد في عالمنا (العربي والغربي) يقومون في أول ألبوم لهم بإعادة غناء أو تلحين موسيقى من قبلهم بتوزيع جديد وأسلوب وأدوات مختلفة عما قبلها، في النهاية لن يقوم أحدهم بطمس عمل الأقدمين وتراثهم بتلك التجربة ولم يدّعي أحد بنيته فعل ذلك. لقد قامت مثلاً أميرة البيانو والجاز، عزيزة مصطفى زاده، بأكثر من عمل دمجت فيه الجاز مع الكلاسيكي مع الروح الشرقية القوقازية، ما أثار جدلاً حولها وحول فنها ما بين مؤيد بشدة ومعارض بشدة، ولكنها تعيش في ألمانيا، وتقوم من حين لآخر بإعادة عزف مقطوعات لأساطين التراث الموسيقي الألماني والأوروبي دونما أن يصف أحد موسيقاها بأنها مشوهة للأصل والتراث الجميل. المشكلة تكون عندما يقوم أحدهم بسرقة عمل تراثي وادعائه أنه صانعه، كما يكرر الإسرائيليون اليوم عزف موشح "لما بدا يتثنى" على أنه موسيقى يهودية عبرية من يهود الأندلس أو "أورشليم"، عبر عزفهم المتكرر والمتجدد لتلك الموسيقى، هنا المشكلة والكارثة المعنوية والثقافية، حتى لو كانت جميلة على مستوى الناتج. أما غير ذلك، من محاولات لم تنتهي ولن تنته، من استحضار أعمال الأولين وإعادة صياغتها بأسلوب مبتكر، فوحده الزمن سيثبت إن كانت ستصمد أم ستنسى، وبالنسبة لبعض موسيقى "موزار المصري"، فقد بقيت وعاشت لأكثر من عشرين سنة، وعرّفت الكثير من العرب بموسيقى موزار وجعلتهم يتحرّون الموسيقى الأصلية ليلتفتوا إلى ما تم تعديله وتغييره فيها، كما أن أعمال جاك لوسييه ستبقى، وموسيقى الديسكو لسمفونية بيتهوفن الخامسة من السبعينيات ما تزال مسموعة حتى اليوم ومحفزة على الرقص. ربما في وقتها قالوا عنها أنها "كارثة في التشويه"
  • منذ 9 سنوات محمد محمد:
    ‫التوزيع الجديد نعمة وليس نقمة بالمجمل (1)
    ‫استمعت للعملين الأصلي والمعاد توزيعه على نمط الجاز، وأشكر الكاتب على هذا الإختيار والشرح عن كلا العملين كل على حدة. أعرف كيف ينظر الألمان (بل وكل إنسان يحترم تاريخه أياً كان) إلى تراثهم بنوع من القدسية، وأن ما كتبه باخ أو موزار أو بيتهوفن من موسيقى يجب التقيد بعزفه وعدم الارتجال قيد أنملة خارج النوتة الموسيقية لأولئك المعلمين الكبار. ولكن حركة البشر تتطلب التطوير والتغيير والتحديث والبناء على ما مضى للانتقال إلى مستقبل جديد واسع الأفق من الألحان والآلات الموسيقية وأنماط الموسيقى. أتحدث هنا ربما أكثر عن تجربة "موزار المصري" التي يصفها الكاتب بأنها "كارثة في التشويه". بالفعل فقد كانت ردة فعل أحد الألمان الذين أعرفهم كذلك لدى سماعه لبعض من تلك الأعمال التجريبية عن خلط الشرقي بالغربي بالكلاسيكي بالشعبي، ولكن ألماني آخر يعمل في ذات المكان كانت له وجهة نظر أخرى وأعجبته الفكرة والأسلوب. العمل الذي تم إخراجه على ألبومين منفصلين (تقريباً عقد من السنين بين الأول والثاني) وشارك في عزفه 201 عازف من كل أنحاء العالم، وعمد إلى أكثر من أسلوب في الخلط والتجديد والتوزيع والمزج، نجح في بعضها وأخفق ربما في بعضها الآخر، ولكنه لم يكن بحال من الأحوال "كارثة في التشويه" إلا لمن ينظر إلى تلك الموسيقى بأنها عمل مقدس لا يجب التجرؤ على تغيير نوتة واحدة فيه، وسيعتبر مقترف هكذا عمل "حلال الدم".