كان العديد من السيارات والباصات العمومية ينقل الركاب بشكل طبيعي عند جسر الكولا، حيث تجمع عشرات السائقين العموميين مع آلياتهم، رافعين لافتات تطالب بـ«دفع مستحقات تعويض البنزين والمازوت»، ومكافحة تعديات السيارات الخصوصية وذات اللوحات المزورة على قطاع النقل المشترك وتنظيمه. «لا تتعدى نسبة المشاركين في التحرك 10% من السائقين العموميين في بيروت»، يقول خالد عبد الباقي، عضو المجلس التنفيذي لاتحاد النقل البري، موضحاً أن في لبنان 34000 لوحة عمومية، تتركز النسبة الأكبر منها في بيروت، ورغم ذلك يكون عدد رجال الأمن والاستقصاء والصحافيين أكبر من عدد السائقين في غالبية التحركات!
الحركة النقابيّةالحركة النقابية «غير منظمة ومخصية»، يقول عبد الباقي، وهناك «أزمة ثقة بين السائقين والقيادات النقابية» المرتبطة بالأحزاب، والتي بدورها «لا تمثل أو تعبر عن مصالح غالبية الفئات الاجتماعية»، بل تجمع بين مختلف رموزها «مصالح اقتصادية خاصة»، فتتفق القيادات أو تختلف تبعاً للمصالح تلك، وتستخدم التحركات المطلبية في سياق صراعاتها. لا مصلحة للأحزاب المذهبية بحركة نقابية موحدة فاعلة، لكن لها «مصلحة في إثارة مطالب السائقين العموميين اليوم للضغط على فريق سياسي معين»، ربطاً بانتخاب رئيس الجمهورية، يقول عبد الباقي، مشيراً إلى التظاهرة المطلبية التي سبقت أحداث 7 أيار 2008 كمثال على النهج ذلك. «تقول الأحزاب إنها مع السلسلة، لكن التصويت في المجلس النيابي يظهر غير ذلك»، يتابع عبد الباقي، داعياً إلى الفرز بين من هم مع السلطة ومن هم ضدها، إذ يتوقع ألا يتحقق أي مطلب نتيجة التحرك الراهن، ولا حتى «الفتات». «القوى السياسية جميعها في السلطة، وهي جميعها تقول إن مطالبنا محقة»، فمن يقرّ هذه المطالب؟ يسأل عضو اتحاد النقل البري علي صفا، ليؤكد أن «التحرك موجّه ضد السلطة كلها»!
«غير منظّمة مخصيّة» يقول عبد الباقي
«كنا نؤجل مطالبنا المزمنة منذ فترة طويلة، واليوم أصبح هناك دولة، فإذا حققت مطالبنا ينتهي الامر، وإلا فسننفذ إضراباً عاماً موجعاً يؤدي الى إقفال البلد»، حذر رئيس نقابة الشاحنات شفيق القسيس في الاعتصام في ساحة رياض الصلح، حيث أكد رئيس «اتحاد الولاء للنقل» عبدالله حمادة أنه «لو أطلقنا العنان لمظاهرات وإضرابات عامة، فسنقفل جميع الطرقات ونعلن الإضراب العام على جميع الاراضي اللبنانية». «نحن بصدد خطوات تصعيدية ابتداءً من الاسبوع المقبل، وإذا وصلنا الى الإضراب العام فكل طرقات لبنان ستقفل»، أكد طليس أيضاً، موضحاً أن اتحاده «جزء من الاتحاد العمالي العام وركن أساسي فيه، وسنكون جزءاً ممّا سيقرره من تحركات وإضرابات واعتصامات اعتباراً من يوم الأربعاء المقبل». ستكون الأيام المقبلة إذاً «مرحلة اختبار رسمية» فعلاً، على حدّ تعبير حمادة، لالتزام القيادات النقابية بمطالب السائقين العموميين بفئاتهم كافة، الذين يجمعون على أولوية تخفيض أسعار المحروقات، البنزين خاصة، إضافة الى تطبيق القانون الذي يمنع عمل «الأجانب» (والمقصود السائقون السوريون تحديداً) كسائقين عموميين، وملاحقة السيارات ذات اللوحات الخصوصية أو المزورة، التي فاق عددها عدد اللوحات الشرعية، بحسب حمادة. فهل سيمضي السائقون العموميون في سلسلة تحركات تصعيدية حتى نيلهم ما يعتبرونه «حقوقاً» غير قابلة للتفاوض، أم «سيجمدون» تحركاتهم كما فعلوا سابقاً، التزاماً بتسوية سياسية ما؟
وفيما كان رئيس نقابة الأوتوبيسات فيليب صقر يقول ويكرر إنه «ضد العامل الأجنبي للآخر»، و«بكل تفاصيله»، كان السائق علي الحاج حسين يصرخ مؤكداً أن بعض النقابيين من السائقين العموميين يؤجرون مئات اللوحات العمومية، ويوظفون السائقين السوريين ليعملوا بها، وسط محاولات العديد من السائقين منعه من الكلام واتهامه بمحاولة تخريب التحرك، بينما صدح صوت الأغاني الثورية عالياً كي يطغى على كل صوت نشاز!
الحرص على الحراك النقابي المطلبي يقتضي التحذير من استنفار العصبيات المختلفة، سواء كانت العصبية الحزبية ــ المذهبية التي لا تقبل سوى الانتظام الكلي في إطار «أولوية» تراص الجماعة في مواجهة «الآخر» الحزبي ــ المذهبي، أو العصبية اللبنانية التي تتيح لأصحاب المصالح الراسخة في النظام التنصل من مسؤوليتهم عن الأزمة الاجتماعية ــ الاقتصادية بتحميلها «للآخر» وتحريضهم عليه، لحرف وجهة صراع المصالح الاجتماعية عن محورها الحقيقي.